ولعل المراد من تمكين يوسف في الأرض اقراره فيه بما يقدر معه على التمتع من مزايا الحياة والتوسع فيها بعد ما حرم عليه اخوته القرار على وجه الأرض فالقوه في غيابة الجب ثم شروه بثمن بخس ليسير به الركبان من ارض إلى ارض ويتغرب عن ارضه ومستقر أبيه.
وقد ذكر تعالى تمكينه ليوسف في الأرض في خلال قصته مرتين إحداهما بعد ذكر خروجه من غيابة الجب وتسيير السيارة إياه إلى مصر وبيعه من العزيز وهو قوله في هذه الآية: " ولقد مكنا ليوسف في الأرض " وثانيتهما بعد ذكر خروجه من سجن العزيز وانتصابه على خزائن ارض مصر حيث قال تعالى: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوء منها حيث يشاء " الآية 56 من السورة والعناية في الموضعين واحدة.
وقوله: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض " الإشارة إلى ما ذكره من اخراجه من الجب وبيعه واستقراره في بيت العزيز فان كان المراد من تمكينه في الأرض هذا المقدار من التمكين الذي حصل له من دخوله في بيت العزيز واستقراره فيه على اهناء عيش بتوصية العزيز فالتشبيه من قبيل تشبيه الشئ بنفسه ليدل به على غزارة الأوصاف المذكورة له وليس من القسم المذموم من تشبيه الشئ بنفسه كقوله كأننا والماء من حولنا * قوم جلوس حولهم ماء بل المراد ان ما فعلنا به من التمكين في الأرض كان يماثل هذا الذي وصفناه وأخبرنا عنه فهو يتضمن من الأوصاف الغزيرة ما يتضمنه ما حدثناه فهو تلطف في البيان بجعل الشئ مثل نفسه بالتشبيه دعوى ليلفت به ذهن السامع إلى غزارة أوصافه وأهميتها وتعلق النفس بها كما هو شأن التشبيه.
ومن هذا الباب قوله تعالى: " ليس كمثله شئ " الشورى: 11 وقوله تعالى: " لمثل هذا فليعمل العاملون " الصافات: 61 والمراد ان كل ما اتصف من الصفات بما اتصف به الله سبحانه لا يشبهه ولا يماثله شئ وان كل ما اشتمل من الصفات على ما اشتملت عليه الجنة وماثلها في صفاتها فليعمل العاملون لأجل الفوز به.
وان كان المراد بالتمكين مطلق تمكينه في الأرض فتشبيهه بما ذكر من الوصف من قبيل تشبيه الكلى ببعض افراده ليدل به على أن سائر الافراد حالها حال هذا الفرد أو تشبيه الكل ببعض اجزائه للدلالة على أن الاجزاء الباقية حالها حال ذاك الجزء المذكور