تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٧١
منها لما كان أحد طرفي الارتباط أمرا معدوما بعد كمن يرى أن حادثة كذا وقعت ثم وقعت بعد حين كما رأى ولا معنى للارتباط الوجودي بين موجود ومعدوم أو أمرا غائبا عن النفس لم يتصل بها من طريق شئ من الحواس كمن رأى أن في مكان كذا دفينا فيه من الذهب المسكوك كذا ومن الفضة كذا في وعاء صفته كذا وكذا ثم مضى إليه وحفر كما دل عليه فوجده كما رأى ولا معنى للارتباط الادراكي بين النفس وبين ما هو غائب عنها لم ينله شئ من الحواس.
ولذا قيل إن الارتباط انما استقر بينها وبين النفس النائمة من جهة اتصال النفس بسبب الحادثة الواقعة الذي فوق عالم الطبيعة فترتبط النفس بسبب الحادثة ومن طريق سببها بنفسها.
توضيح ذلك أن العوالم ثلاثة عالم الطبيعة وهو العالم الدنيوي الذي نعيش فيه والأشياء الموجودة فيها صور مادية تجرى على نظام الحركة والسكون والتغير والتبدل.
وثانيها عالم المثال وهو فوق عالم الطبيعة وجودا وفيه صور الأشياء بلا مادة منها تنزل هذه الحوادث الطبيعية واليها تعود وله مقام العلية ونسبة السببية لحوادث عالم الطبيعة.
وثالثها عالم العقل وهو فوق عالم المثال وجودا وفيه حقائق الأشياء وكلياتها من غير مادة طبيعية ولا صورة وله نسبة السببية لما في عالم المثال.
والنفس الانسانية لتجردها لها مسانخة مع العالمين عالم المثال وعالم العقل فإذا نام الانسان وتعطل الحواس انقطعت النفس طبعا عن الأمور الطبيعية الخارجية ورجعت إلى عالمها المسانخ لها وشاهدت بعض ما فيها من الحقائق بحسب ما لها من الاستعداد والامكان.
فان كانت النفس كاملة متمكنة من ادراك المجردات العقلية أدركتها واستحضرت أسباب الكائنات على ما هي عليها من الكلية والنورية والا حكتها حكاية خيالية بما تأنس بها من الصور والاشكال الجزئية الكونية كما نحكي نحن مفهوم السرعة الكلية بتصور جسم سريع الحركة ونحكي مفهوم العظمة بالجبل ومفهوم الرفعة والعلو بالسماء وما فيها من الاجرام السماوية ونحكي الكائد المكار بالثعلب والحسود بالذئب
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»
الفهرست