وقد بدؤا القول بخطاب " يا أيها العزيز " وختموه بما في معنى الدعاء واتوا خلاله بذكر سوء حالهم والاعتراف بقلة بضاعتهم وسؤاله ان يتصدق عليهم وهو من أمر السؤال والموقف موقف الاسترحام ممن لا يستحق ذلك لسوء سابقته وهم عصبة قد اصطفوا امام عزيز مصر.
وعند ذلك تمت الكلمة الإلهية انه سيرفع يوسف وأخاه ويضع عنده سائر بنى يعقوب لظلمهم ولذلك لم يلبث يوسف (ع) دون ان أجابهم بقوله " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه " وعرفهم نفسه وقد كان يمكنه (ع) ان يخبر أباه واخوته مكانه وانه بمصر طول هذه المدة غير القصيرة لكن الله سبحانه شاء ان يوقف اخوته امامه ومعه اخوه المحسود موقف المذلة والمسكنة وهو متك على أريكة العزة.
قوله تعالى قال: " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " انما يخاطب المخطئ المجرم بمثل هل علمت وأتدري وأرأيت ونحوها وهو عالم بما فعل لتذكيره جزاء عمله ووبال ذنبه لكنه (ع) اعقب استفهامه بقوله " إذ أنتم جاهلون " وفيه تلقين عذر.
فقوله " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه " مجرد تذكير لعملهم بهما من غير توبيخ ومؤاخذة ليعرفهم من الله عليه وعلى أخيه وهذا من عجيب فتوة يوسف (ع) ويا لها من فتوة.
قوله تعالى: " قالوا أإنك لانت يوسف قال انا يوسف وهذا اخى قد من الله علينا " إلى آخر الآية تأكيد الجملة المستفهم عنها للدلالة على أن الشواهد القطعية قامت على تحقق مضمونها وانما يستفهم لمجرد الاعتراف فحسب.
وقد قامت الشواهد عندهم على كون العزيز هو أخاهم يوسف ولذلك سألوه بقولهم " ء إنك لانت يوسف " مؤكدا بان واللام وضمير الفصل فأجابهم بقوله انا يوسف وهذا اخى " وانما الحق أخاه بنفسه ولم يسألوا عنه وما كانوا يجهلونه ليخبر عن من الله عليهما وهما معا المحسودان ولذا قال " قد من الله علينا ".
ثم أخبر عن سبب المن الإلهي بحسب ظاهر الأسباب فقال " انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين " وفيه دعوتهم إلى الاحسان وبيان انه يتحقق بالتقوى