تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٧٢
من ربه خبير بتأويل الأحاديث وتوسل بذلك إلى الكشف عن سر التوحيد ونفى الشركاء ثم أول رؤياهما.
فقال اولا لا يأتيكما طعام ترزقانه وأنتما في السجن إلا نبأتكما بتأويله اي بتأويل ذاكما الطعام وحقيقته وما يؤول إليه امره فانا خبير بذلك فليكن آية لصدقي فيما أدعوكما إليه من دين التوحيد.
هذا على تقدير عود الضمير في قوله بتأويله إلى الطعام ويكون عليه اظهارا منه (ع) لاية نبوته نظير قول المسيح (ع) لبني إسرائيل " وأنبؤكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين " آل عمران: 49 ويؤيد هذا المعنى بعض الروايات الواردة من طرق أهل البيت (ع) كما سيأتي في بحث روائي إن شاء الله تعالى.
واما على تقدير عود ضمير بتأويله إلى ما رأياه من الرؤيا فقوله لا يأتيكما طعام الخ وعد منه لهما تأويل رؤياهما ووعد بتسريعه غير أن هذا المعنى لا يخلو من بعد بالنظر إلى السياق.
قوله تعالى: " ذلكما مما علمني ربى انى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب " بين (ع) ان العلم والتنبؤ بتأويل الأحاديث ليس من العلم العادي الاكتسابي في شئ بل هو مما علمه إياه ربه ثم علل ذلك بتركه ملة المشركين واتباعه ملة آبائه إبراهيم إسحاق ويعقوب أي رفضه دين الشرك واخذه بدين التوحيد.
والمشركون من أهل الأوثان يعتقدون بالله سبحانه ويثبتون يوم الجزاء بالقول بالتناسخ كما تقدم في الجزء السابق من الكتاب لكن دين التوحيد يحكم ان الذي يقدر له شركاء في التأثير أو في استحقاق العبادة ليس هو الله وكذا عود النفوس بعد الموت بأبدان أخرى تتنعم فيها أو تعذب ليس من المعاد في شئ ولذلك نفى (ع) عنهم الايمان بالله وبالآخرة واكد كفرهم بالآخرة بتكرار الضمير حيث قال وهم بالآخرة هم كافرون وذلك لان من لا يؤمن بالله فأحرى به ان لا يؤمن برجوع العباد إليه.
وهذا الذي يقصه الله سبحانه من قول يوسف (ع) واتبعت ملة آبائي إبراهيم
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»
الفهرست