تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٧٦
ووجود لا يتطرق العدم والفناء إليه والوجود الذي هذا شأنه لا يمكن ان يفرض له حد محدود ولا امد ممدود لان كل محدود فهو معدوم وراء حده والممدود باطل بعد أمده فهو تعالى ذات غير محدود ووجود غير متناه بحب وإذا كان كذلك لم يمكن ان يفرض له صفة خارجة عن ذاته مباينة لنفسه كما هو الحال في صفاته لتأدية هذه المغايرة إلى كونه تعالى محدودا غير موجود في ظرف الصفة وفاقرا لا يجد الصفة في ذاته ولم يمكن أيضا فرض المغايرة والبينونة بين صفاته الذاتية كالحياة والعلم والقدرة لان ذلك يؤدى إلى وجود حدود في داخل الذات لا يوجد ما في داخل حد في خارجه فيتغاير الذات والصفات ويتكثر جميعا ويحد وهذا كله مما اعترفت به الوثنية على ما بأيدينا من معارفهم.
فمما لا يتطرق إليه الشك عند المثبتين لوجود الا له سبحانه لو تفطنوا ان الله سبحانه موجود في نفسه ثابت بذاته لا موجود بهذا النعت غيره وان ما له من صفات الكمال فهو عينه غير زائد عليه ولا بعض صفات كما له صفات زائد على بعض فهو علم وقدرة وحياة بعينه.
فهو تعالى إحدى الذات والصفات أي انه واحد في وجوده بذاته ليس قباله شئ الا موجودا به لا مستقلا بالوجود وواحد في صفاته أي ليس هناك صفة له حقيقية الا ان تكون عين الذات فهو الذي يقهر كل شئ لا يقهره شئ.
والإشارة إلى هذا كله هي التي دعته (ع) ان يصف الله سبحانه بالواحد القهار حيث قال " أم الله الواحد القهار " أي انه تعالى واحد لكن لا واحد عددي إذا أضيف إليه آخر صار اثنين بل واحد لا يمكن ان يفرض قباله ذات الا وهى موجودة به لا بنفسها ولا ان يفرض قباله صفة له الا وهى عينه والا صارت باطلة كل ذلك لأنه بحث غير محدود بحد ولا منته إلى نهاية.
وقد تمت الحجة على الخصم منه (ع) في هذا السؤال بما وصف الأرباب بكونهم متفرقين وإياه تعالى بالواحد القهار لان كون ذاته المتعالية واحدا قهارا يبطل التفرقة أي تفرقة مفروضة بين الذات والصفات فالذات عين الصفات والصفات بعضها عين بعض فمن عبد الذات عبد الذات والصفات ومن عبد علمه فقد عبد ذاته وان عبد علمه ولم يعبد ذاته فلم يعبد لا علمه ولا ذاته وعلى هذا القياس.
فإذا فرض تردد العبادة بين أرباب متفرقين وبين الله الواحد القهار تعالى وتقدس تعينت عبادته دونهم إذ لا يمكن فرض أرباب متفرقين ولا تفرقة في العبادة.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست