تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٢٣
على ما تريده منه.
واما هو فقد استغرق في حب ربه وأخلص وصفى ذلك نفسه فلم يترك لشئ في قلبه محلا غير حبيبه فهو في خلوة مع ربه وحضرة منه يشاهد فيها جماله وجلاله وقد طارت الأسباب الكونية على ما لها من ظاهر التأثير من نظره فهو على خلافها لا يتبجح بالأسباب ولا يركن إلى الأعضاد.
ترى انها تتوسل عليه بالأسباب بتغليق الأبواب والمراودة والامر بقولها هيت لك واما هو فقد قابلها بقوله معاذ الله فلم يجبها بتهديد ولم يقل انى أخاف العزيز أو لا أخونه أو انى من بيت النبوة والطهارة أو ان عفتي أو عصمتي تمنعني من الفحشاء ولم يقل انى ارجو ثواب الله أو أخاف عذابه إلى غير ذلك ولو كان قلبه متعلقا بشئ من الأسباب الظاهرة لذكره وبدا به عند مفاجأة الشدة ونزول الاضطرار على ما هو مقتضى طبع الانسان.
بل استمسك بعروة التوحيد وأجاب بالعياذ بالله فحسب ولم يكن في قلبه أحد سوى ربه ولا تعدى بصره إياه إلى غيره فهذا هو التوحيد الخالص الذي هدته إليه المحبة الإلهية وأولهه في ربه فأنساه الأسباب كلها حتى أنساه نفسه فلم يقل انى أعوذ منك بالله أو ما يؤدى معناه وانما قال معاذ الله وكم من الفرق بين قوله هذا وبين قول مريم للروح لما تمثل لها بشرا سويا: " انى أعوذ بالرحمان منك ان كنت تقيا " مريم: 18.
واما قوله لها ثانيا " انه ربى أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون " فإنه يوضح كلمة التوحيد الذي افاده بقوله " معاذ الله " ويجليه يقول إن الذي أشاهده ان اكرامك مثواي عن قول العزيز لك أكرمي مثواه فعل من ربى واحسان منه إلي فربى أحسن مثواي وان انتسب إليك ذلك بوجه فهو الذي يجب علي ان أعوذ به وألوذ إليه وانما أعوذ به لان اجابتك فيما تسألين وارتكاب هذه المعصية ظلم ولا يفلح الظالمون فلا سبيل إلى ارتكابه.
فقد أفاد (ع) بقوله " انه ربى أحسن مثواي " اولا: انه موحد لا يرى شرك الوثنية فليس ممن يتخذ أربابا من دون الله كما تقول به الوثنية يتخذون مع الله أربابا أخرى ينسبون إليهم تدبير العالم بل هو يقول بان الله هو ربه لا رب سواه.
(١٢٣)
مفاتيح البحث: العزّة (1)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست