تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٢٠
المثل الرائد لا يكذب أهله والتغليق اطباق الباب بما يعسر فتحه وانما شدد ذلك لتكثير الاغلاق أو للمبالغة في الايثاق انتهى.
وهيت لك اسم فعل بمعنى هلم ومعاذ الله أي أعوذ بالله معاذا فهو مفعول مطلق قائم مقام فعله.
والآية الكريمة: " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربى أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون " على ما فيها من الايجاز تنبئ عن اجمال قصة المراودة غير أن التدبر في القيود المأخوذة فيها والسياق الذي هي واقعة فيه وسائر ما يلوح من أطراف قصته الموردة في السورة يجلى عن حقيقة الحال ويكشف القناع عن تفصيل ما خبئ من الامر.
يوسف هو ذا طفل صغير حولته أيدي المقادير إلى بيت العزيز عليه سيما العبيد ولعله لم يسأل الا عن اسمه ولم يتكلم الا ان قال اسمى يوسف أو قيل عنه ذلك ولم يلح من لهجته الا انه كان قد نشأ بين العبريين ولم يسأل عن بيته ونسبه فليس للعبيد بيوت ولم يكن من المعهود ان يحفظ للأرقاء انساب وهو ساكت مختوم على لسانه لا يتكلم بشئ وكم من حديث بين جوانحه فلم يعرف نسبه الا بعد سنين من ذلك حينما قال لصاحبيه في السجن " واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب " ولا كشف عما في سره من توحيد العبودية لله بين أولئك الوثنيين الا ما ذكره لامرأة العزيز حين راودته عن نفسه بقوله " معاذ الله انه ربى " الخ.
هو اليوم حليف الصمت والسكوت لكن قلبه ملئ بما يشاهده من لطيف صنع الله به فهو على ذكر مما بثه إليه أبوه يعقوب النبي من حقيقة التوحيد ومعنى العبودية ثم ما بشر به من الرؤيا ان الله سيخلصه لنفسه ويلحقه بآبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وليس ينسى ما فعله به اخوته ثم ما وعده به ربه في غيابة الجب حين ما انقطع عن كافة الأسباب:
انه تحت الولاية الإلهية والتربية الربوبية معني بأمره وسينبؤ اخوته بأمرهم هذا وهم لا يشعرون.
فكان (ع) مملوء الحس مستغرق النفس في مشاهدة الطاف ربه الخفية يرى نفسه تحت
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست