أكمل ظهورها فأغرقت الدنيا وأهلها، ونودى من ساحة العظمة والكبرياء على الظالمين بالبعد، فأخذ نوح عليه السلام يدعو لابنه والظرف هذا الظرف لم يجترء عليه السلام - على ما يقتضيه أدب النبوة - على أن يسأل ما يريده من نجاة ابنه بالتصريح، بل اورد القول كالمستفسر عن حقيقة الامر، وابتدر بذكر ما وعده الله من نجاة أهله حين أمره أن يجمع الناجين معه في السفينة فقال له: (احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك).
وكان أهله - غير امرأته - حتى ابنه هذا مؤمنين به ظاهرا ولو لم يكن ابنه هذا على ما كان يراه نوح عليه السلام مؤمنا لم يدعه البتة إلى ركوب السفينة فهو عليه السلام الداعي على الكافرين السائل هلاكهم بقوله: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) فقد كان يرى ابنه هذا مؤمنا ولم يكن مخالفته لأمر أبيه إذ أمره بركوب السفينة كفرا أو مؤديا إلى الكفر وانما هي معصية دون الكفر.
ولذلك كله قال عليه السلام: (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق) فذكر وعد ربه وضم إليه أن ابنه من أهله - على ما في الكلام من دلالة (ربى) على الاسترحام، ودلالة الإضافة في (ابني) على الحجة في قوله: (من أهلي) ودلالة التأكيد بأن ولام الجنس في قوله: (وإن وعدك الحق) على أداء حق الايمان.
وكانت الجملتان: (إن ابني من أهلي) (وإن وعدك الحق) ينتجان بانضمام بعضهما إلى بعض الحكم بلزوم نجاة ابنه لكنه عليه السلام لم يأخذ بما ينتجه كلامه من الحكم أدبا في مقام العبودية فلا حكم إلا لله بل سلم الحكم الحق والقضاء الفصل إلى الله سبحانه فقال: (وأنت أحكم الحاكمين).
فالمعنى: رب إن ابني من أهلي، وان وعدك حق كل الحق، وان ذلك يد على أن لا تأخذه بعذاب القوم بالغرق ومع ذلك فالحكم الحق إليك فأنت أحكم الحاكمين كأنه عليه السلام يستوضح ما هو حقيقة الامر ولم يذكر نجاة ابنه ولا زاد على هذا الذي حكاه الله عنه شيئا وسيوافيك بيان ذلك.
قوله تعالى: (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن