وهو من اسخف التفسير فإنه معنى لا يلائم شيئا من الجملتين المكتنفتين به لا قوله: (انه ليس من أهلك) ولا قوله: (فلا تسألني ما ليس لك به علم) وهو ظاهر، ولو كان كذلك كان من حق الكلام أن يتقدم على قوله: (انه ليس من أهلك) ويتصل بقول نوح عليه السلام.
على انك عرفت ان قول نوح عليه السلام: (رب إن ابني من أهلي) الخ، لا يتضمن سؤالا وإنما كان يسوقه - لو جرى في كلامه - إلى السؤال لكن العناية الإلهية حالت بينه وبين السؤال.
وقوله: (فلا تسألن ما ليس لك به علم) كأن قول نوح عليه السلام: (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق) في مظنة أن يسوقه إلى سؤال نجاة ابنه وهو لا يعلم أنه ليس من أهله فأخذته العناية الإلهية، وحال التسديد الغيبي بينه وبين السؤال فأدركه النهى بقوله: (لا تسألن ما ليس لك به علم) بتفريع النهى على ما تقدم أي فإذ ليس من أهلك لكونه عملا غير صالح وأنت لا سبيل لك إلى العلم بذلك فإياك أن تبادر إلى سؤال نجاته لأنه سؤال ما ليس لك به علم.
والنهى عن السؤال بغير علم لا يستلزم تحقق سؤال ذلك منه عليه السلام لا مستقلا ولا في ضمن قوله: (رب إن ابني من أهلي) لان النهى عن الشئ لا يستلزم الارتكاب قبلا، وقد قال تعالى: (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) الحجر:
88 فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حب الدنيا والافتتان بزينتها وحاشاه عن ذلك.
وإنما يفتقر النهى في صحة تعلقه بفعل ما ان يكون فعلا اختياريا يمكن ان يبتلى به المكلف، وما نهى عنه الأنبياء عليهم السلام على هذه الصفة وإن كانوا ذوي عصمة الهية وتسديد غيبي، فإن من العصمة والتسديد ان يراقبهم الله سبحانه في أعمالهم وكلما اقتربوا مما من شأنه أن يزل فيه الانسان نبههم على وجه الصواب ويدعوهم إلى السداد والتزام طريق العبودية، قال تعالى: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا) أسرى: 75 فأنبأ تعالى أنه هو الذي ثبته ولم يدعه يقترب من الركون إليهم فضلا عن نفس الركون.