وقوله تعالى: (ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) الضمير راجع إلى الموصول أو إلى البينة على حد ما ذكرناه في ضمير (يتلوه) والجملة حال بعد حال أي أفمن كان على بصيرة إلهية ينكشف له بها ان القرآن حق منزل من عند الله والحال ان معه شاهدا منه يشهد بذلك عن بصيرة والحال أن هذا الذي هو على بينة سبقه كتاب موسى إماما ورحمة أو قبل بينته التي منها القرآن أو هي القرآن المشتمل على المعارف والشرائع الهادية إلى الحق كتاب موسى إماما فليس هو أو ما عنده من البينة ببدع من الامر غير مسبوق بمثل ونظير بل هناك طريق مسلوك من قبل يهدى إليه كتاب موسى.
ومن هنا يظهر وجه توصيف كتاب موسى وهو التوراة بالامام والرحمة فإنه مشتمل على معارف حقة وشريعة إلهية يؤتم به في ذلك ويتنعم بنعمته، وقد ذكره الله بهذا الوصف في موضع آخر من كلامه فقال: (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فامن واستكبرتم - إلى أن قال - وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) الأحقاف: 12.
والآيات - كما ترى - أقرب الآيات مضمونا من الآية المبحوث عنها تذكر اولا: أن القرآن بينة إلهية أو أمر قامت عليه بينة إلهية ثم تذكر شهادة الشاهد من بني إسرائيل عليه وتأيده بها ثم تذكر أنه سبوق فيما يتضمنه من المعارف والشرائع بكتاب موسى الذي كان إماما ورحمة يأتم به الناس ويهتدون، وطريقا مسلوكا مجربا، والقرآن كتاب مثله مصدق له منزل من عند الله لانذار الظالمين وتبشير المحسنين.
ومن هنا يظهر أيضا: أن قوله: (إماما ورحمة) حال من كتاب موسى لا من قوله: (شاهد منه) على ما ذكره بعضهم.
قوله تعالى: (أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) المشار إليهم بقوله: (أولئك) بناء على ما تقدم من معنى صدر الآية هم الذين كانوا