المسلمين وأهل الكتاب وخاصة اليهود اشتدادها بالمدينة، ولم يركبوا بعد من العناد واللجاج ذاك المركب الصعب الذي ركبوه بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونشوب الحروب بينهم وبين المسلمين حتى بلغوا المبلغ الذي قالوا: (ما أنزل الله على بشر من شئ) الانعام: 91.
فهذا ما يعطيه سياق الآية من المعنى، وأظنك إن أمعنت في تدبر الآية وسائر الآيات التي تناسبها مما يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحقية ما نزل إليه من ربه، ويتحدى على البشر بعجزهم عن إتيان مثله، وما يصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه على بصيرة من أمره، وأنه على بينة من ربه أقنعك ذلك فيما قدمناه من المعنى، وأغناك عن التمحلات التي ارتكبوها في تفسير الآية بما لا جدوى في نقلها والبحث عنها.
قوله تعالى: (ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين) نهى عن الارتياب والامتراء أولا ثم ترقى إلى النهى عن التكذيب بآيات الله وهو العناد مع الحق استكبارا على الله فإن الآية لا تكون آية إلا مع وضوح دلالتها وظهور بيانها وتكذيب ما هذا شأنه لا يكون مبينا إلا على العناد واللجاج.
وقوله: (فتكون من الخاسرين) تفريع على التكذيب بآيات الله فهو نتيجته وعاقبته فهو المنهى عنه بالحقيقة. والمعنى: ولا تكن من الخاسرين، والخسران زوال رأس المال بانتقاصه أو ذهاب جميعه، وهو الايمان بالله وآياته الذي هو رأس مال الانسان في سعادة حياته في الدنيا والآخرة على ما يستفاد من الآية التالية حيث يعلل خسرانهم بأنهم لا يؤمنون.
قوله تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) الخ، تعليل للنهي السابق ببيان ما للمنهى عنه من الشأن فإن أصل النظم بحسب المعنى المستفاد من السياق أن يقال: لا تكونن من المكذبين لان المكذبين لا يؤمنون فيكونون خاسرين لان رأس مال السعادة هو الايمان فوضع قوله (الذين حقت عليهم كلمة ربك) موضع (المكذبين) للأدلة على سبب الحكم وأن المكذبين إنما يخسرون لان كلمة الله سبحانه تحق عليهم فالامر على كل حال إلى الله سبحانه.
والكلمة الإلهية التي حقت على المكذبين بآيات الله هي قوله يوم شرع الشريعة