أخذهم الله بغتة ومن حيث لا يشعرون به فإذا هم آيسون من النجاة شاهدون سقوط ما عندهم من الأسباب فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
وهذه السنة سنه الاستدراج والمكر الذي لخصها الله تعالى في قوله: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدي متين) (الأعراف:
183).
وبالتأمل فيما تقدم من تقرير معنى الآية والتدبر في سياقها يظهر أن الآية لا تنافى سائر الآيات الناطقة بأن الانسان مفطور على التوحيد ملجأ باقتضاء من فطرته وجبلته إلى الاقرار به والتوجه إليه عند الانقطاع عن الأسباب الكونية كما قال تعالى: (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) (لقمان: 32).
وذلك أن الآية لا تريد من البأساء والضراء إلا ما لا يبلغ من الشدة والمهابة مبلغا يذهلون به عن كل سبب وينسون به كل وسيلة عادية، ومن الدليل على ذلك قوله في الآية: (لعلهم يتضرعون) إذ (لعل) كلمة رجاء ولا رجاء مع الالجاء والاضطرار، وكذا قوله تعالى: (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) فإن ظاهره إنهم اغتروا بذلك وتوسلوا في رفع البأساء والضراء إلى أعمالهم التي عملوها بأيديهم ودبروها بتدابيرهم للغلبة على موانع الحياة وأضداد العيش فاشتغلوا بالأسباب الطبيعية الملهية إياهم عن التضرع إلى الله سبحانه والاعتصام به، كقوله تعالى: (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون، فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) (المؤمن: 84)، فالآية الأولى - كما ترى - تحكى عنهم نظير ما تحكيه الآية التي نحن فيها من الاعراض عن التضرع والاغترار بالاعمال والآية الثانية تحكى ما تحكيه الآيات الأخرى من التوحيد في حال الاضطرار.
ومن هنا يظهر فساد ما يظهر من بعضهم أن ظاهر الآية كون الأمم السابقة مستنكفة عن التوحيد معرضة عن التضرع حتى في الشدائد الملجئة قال في تفسير الآية:
أقسم الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله أنه أرسل رسلا قبله إلى أمم قبل أمته فكانوا أرسخ من قومه في الشرك، وأشد منهم إصرارا على الظلم فإن قومه يدعون الله وحده عند شدة الضيق،