أمرهم إلا بما تقتضيه الحكمة البالغة، ولم يسقهم في سبيل ما انتهوا إليه إلا إلى ما ارتضوه بسوء اختيارهم فقد تحقق أن الخزي والسوء على الكافرين، وأن الحمد لله رب العالمين.
قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم) إلى آخر الآية، أخذ السمع والابصار هو سلب قوتي السمع والابصار وهو الاصمام والاعماء. والختم على القلوب إغلاق بابها إغلاقا لا يدخلها معه شئ من خارج حتى تتفكر في أمرها، وتميز الواجب من الأعمال من غير: والخير النافع منها من الشر الضار مع حفظ أصل الخاصية وهو صلاحية التعقل وإلا كان جنونا وخبلا.
وإذ كان هؤلاء المشركون لا يسمعون حق القول في الله سبحانه ولا يبصرون آياته الداله على أنه واحد لا شريك له فصارت قلوبهم لا يدخلها شئ من واردات السمع والبصر حتى تعرف بذلك الحق من الباطل أقام الحجة بذلك على إبطال مذهبهم في أمر الاله تعالى وحدته.
وملخصها أن القول بثبوت شركاء لله يستلزم القول ببطلانه وذلك أن القول بالشركاء لاثبات الشفاعة، وهى أن تشفع وتتوسط في جلب المنافع ودفع المضار، وإذ كانت الشركاء شفعاء على الفرض كان لله سبحانه أن يفعل في ملكه ما يشاء من غير مصادفة مانع يمانعه أو ضد يضاده فلو سلب الله عنكم سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم فعل ذلك ولم يعارضه أحد من شركائكم لأنها شفعاء متوسطة لا أضداد معارضة، ولو فعل ذلك وسلب ما سلب لم يقدر حد منها أن يأتيكم به لأنها شفعاء وسائط لا مصادر للخلق والايجاد.
وإذا لم يقدر على إيتاء نفع أو إذهاب ضر فما معنى ألوهيتها فليس الاله إلا من يوجد ويعدم ويتصرف في الكون كيف شاء، وإنما اضطرت الفطرة الانسانية إلى الاقرار بأن للعالم إلها من جهة الحصول على مبدأ حوادث الخير والشر التي تشاهدها في الوجود، وإذ كان شئ لا يضر ولا ينفع في جنب الحوادث شيئا فليس تسميته إلها إلا لغوا من القول.
وليس لانسان صحيح العقل والتمييز أن يجوز كون صورة حجرية أو خشبية