على أن فتح الباب إنما يناسب بحسب الطبع الحسنات والنعم وأما السيئات والنقم فإنما تتحقق بالمنع ويناسبها سد الباب كما يلمح إليه قوله تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) (فاطر: 2).
ومبلسون من أبلس إبلاسا، قال الراغب: الابلاس الحزن المعترض من شدة اليأس - إلى أن قال - ولما كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه، قيل:
أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته، انتهى. وعلى هذا المعنى المناسب لقوله: (فإذا هم مبلسون أي خامدون منقطعوا الحجة.
ومعنى الآية أنهم لما نسوا ما ذكروا به أو أعرضوا عنه آتيناهم من كل نعمة استدراجا حتى إذا تمت لهم النعم وفرحوا بما أوتوا منها أخذناهم فجأه فانخمدت أنفاسهم ولا حجة لهم لاستحقاقهم ذلك.
قوله تعالى: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) دبر الشئ مقابل قبله وهما الجزءان: المقدم والمؤخر من الشئ، ولذا يكنى بهما عن العضوين المخصوصين، وربما توسع فيهما فأطلقا على ما يلي الجزء المقدم أو المؤخر فينفصلان عن الشئ، وقد اشتق منهما الافعال بحسب المناسبة نحو أقبل وأدبر وقبل ودبر وتقبل وتدبر واستقبل واستدبر، ومن ذلك اشتقاق دابر بمعنى ما يقع خلف الشئ ويليه من ورائه، ويقال: أمس الدابر أي الواقع خلف اليوم كما يقال: عام قابل، ويطلق الدابر بهذا المعنى على أثر الشئ كدابر الانسان على أخلافه وسائر آثاره، فقوله: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) أي أن الهلاك استوعبهم فلم يبق منهم عينا ولا أثرا أو أبادهم جميعا فلم يخلص منهم أحد كما قال تعالى: (فهل ترى لهم من باقية (الحاقه: 8).
ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله: (دابر القوم الذين ظلموا) دون أن يقال:
دابرهم للدلالة على سبب الحكم وهو الظلم الذي أفنى جمعهم وقطع دابرهم، وهو مع ذلك يمهد السبيل إلى إيراد قوله: (والحمد لله رب العالمين).
ومن هذه الآية بما تشتمل على وصفهم بالظلم وعلى حمده تعالى بربوبيته تتحصل الدلالة على أن اللوم والسوء في جميع ما حل بهم من عذاب الاستئصال يرجع إليهم لانهم القوم الذين ظلموا، وأنه لا يعود إليه تعالى إلا الثناء الجميل لأنه لم يأت في تدبير