الدقيق لا يسوغ إرادة الذات من الوجه فإن الشئ أيا ما كان إنما يستقبل غيره بشئ من ظواهر نفسه من صفاته وأسمائه، وهى التي تتعلق بها المعرفة فانا إنما نعرف ما نعرف بوصف من أوصافه أو اسم من أسمائه ثم نستدل بذلك على ذاته من غير أن نماس ذاته مساسا على الاستقامة.
فإنا إنما ننال معرفة الأشياء أولا بأدوات الحس التي لا تنال إلا الصفات من أشكال وتخاطيط وكيفيات وغير ذلك من دون أن ننال ذاتا جوهرية ثم نستدل بذلك على أن لها ذوات جوهرية هي القيمة لاعراضها وأوصافها التابعة لما أنها تحتاج إلى ما يقيم أودها ويحفظها ففي الحقيقة قولنا: ذات زيد مثلا معناه الشئ الذي نسبته إلى أوصاف زيد وخواصه كنسبتنا إلى أوصافنا وخواصنا فإدراك الذوات إدراكا فكريا يكون دائما بضرب من القياس والنسبة.
وإذا لم يمكن إدراك الذوات الماهوية بإدراك تام فكرى إلا من طريق أوصافها وآثارها بضرب من القياس والنسبة فالامر في الله سبحانه ولا حد لذاته ولا نهاية لوجوده أوضح وأبين، ولا يقع العلم على شئ إلا مع تحديد ما له فلا مطمع في الإحاطة العلمية به، تعالى قال: (وعنت الوجوه للحى القيوم) (طه: 111) وقال: (و لا يحيطون به علما) (طه: 110).
لكن وجه الشئ لما كان ما يستقبل به غيره كانت الجهة بمعنى الناحية أعني ما ينتهى إليه الإشارة وجها فإنها بالنسبة إلى الشئ الذي يحد الإشارة كالوجه بالنسبة إلى الانسان يستقبل غيره به، وبهذه العناية تصير الأعمال الصالحة وجها لله تعالى كما أن الأعمال الطالحة وجه للشيطان وهذا بعض ما يمكن أن ينطبق عليه أمثال قوله: (يريدون وجه الله) و قوله: (إنما نطعمكم لوجه الله) وغير ذلك، وكذا الصفات التي يستقبل بها الله سبحانه خلقه كالرحمة والخلق والرزق والهداية ونحوها من الصفات الفعلية بل الصفات الذاتية التي نعرفه تعالى بها نوعا من المعرفة كالحياة والعلم والقدرة كل ذلك وجهه تعالى يستقبل خلقه بها ويتوجه إليه من جهتها كما يشعر به بعض الاشعار أو الدلالة قوله تعالى: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) (الرحمن: 27) فإن ظاهر الآية أن قوله: (ذو الجلال والاكرام نعت للوجه دون الرب فافهم ذلك.