يطلع من أفق ذواتهم من أثر خيرا أو شرا ينتهى إلى أمره ومشيته وإذنه يستند إليه على ما يليق بساحة قدسه وعزته من الاستناد.
فالآيتان جميعا تتممان معنى واحدا، وهو أن ما يصيب الانسان من خير أو شر فمن الله على ما يليق بساحته من الانتساب، فالله سبحانه هو المتوحد بالألوهية، والمتفرد بالمعبودية لا إله غيره، ولا معبود سواه.
وقد عبر عن إصابة الضر والخير بالمس الدال على الحقارة في قوله: (إن يمسسك) (وإن يمسسك) ليدل به على إن ما يصيب الانسان من ضر أو من خير شئ يسير مما تحمله القدرة غير المتناهية التي لا يقوم لها شئ، ولا يطيقها ولا يتحملها مخلوق محدود.
وكأن قوله تعالى في جانب الخير: (فهو على كل شئ قدير) وضع موضع نحو من قولنا: فلا مانع يمنعه، ليدل على أنه تعالى قدير على كل خير مفروض كما أنه قدير على كل ضر مفروض، وتنكشف به علة قوله: فلا كاشف له إلا هو إذ لو كشف غيره تعالى شيئا مما مس به من ضر دفع ذلك قدرته عليه، وكذلك قدرته على كل شئ تقتضي أن لا يقوى شئ على دفع ما يمس به من خير.
وتخصيص ما يمس به من ضر أو خير بالنبي صلى الله عليه وآله في هذه الآية نظير التخصيص الواقع في قوله: (قل إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم) ويفيد قوله:
(وهو القاهر فوق عباده) من التعميم نظير ما أفاد قوله: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه).
قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) القهر هو نوع من الغلبة، وهو أن يظهر شئ على شئ فيضطره إلى مطاوعة أثر من الغالب يخالف ما للمغلوب من الأثر طبعا أو بنحوه من الافتراض كالماء يظهر على لنار فيقهرها على الخمود، والنار تقهر الماء فتبخره أو تجفف رطوبته. وإذ كانت الأسباب الكونية إنما أظهرها الله سبحانه لتكون وسائط في حدوث الحوادث فتضع آثارها في مسبباتها، وهى كائنة ما كانت مضطرة إلى مطاوعة ما يريده الله سبحانه فيها وبها، يصدق عليها عامة إنها مقهورة لله سبحانه فالله قاهر عليها.