فيلوح لنظر المغفل غير المتدبر أن يرد عليه الحجة بأن النهى لما كان مختصا بك كما تدعيه يختص الخوف ثم وجوب التوحيد أيضا بك فلا تقتضي الحجة وجوب التوحيد ونفى الشريك على غيرك، وتصير الحجة عليك لا على غيرك.
فأفاد بقوله: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) أن عذابه مشرف على الجميع محيط بالكل لا مخلص عنه إلا برحمته فعلى كل إنسان أن يخاف من عذاب يومئذ على نفسه ما يخافه النبي صلى الله عليه وآله على نفسه فالحجة عامة قائمة على جميع الناس لا خاصه به صلى الله عليه وآله.
قوله تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) إلى آخر الآية، قد كانت الحجتان المذكورتان في الآيات السابقة أخذتا أنموذجا مما يرجوه الانسان وهو الاطعام وانموذجا مما يخافه وهو عذاب يوم القيامة، وتممتا بهما البيان، ولم تتعرضا لسائر أنواع الضر وأقسام الخير التي يمس الله سبحانه بهما الانسان، والكل من الله عز اسمه.
فالآية توضح بالتصريح أن هناك من الضر ما هو غير عذاب يوم القيامة يمس الله سبحانه به الانسان يجب أن يتوجه إليه تعالى في كشفه، وأن من الخير ما يمس الله به الانسان ولا راد لفضله ولا مانع يمنع من إفاضته لقدرته على كل شئ، ورجاء الخير يوجب على الانسان أن يتخذه سبحانه إلها معبودا.
ولما أمكن أن يتوهم أن كونه تعالى يمس الانسان بضر أو بخير إنما يقتضى أن يتخذ معبودا، والخصم لا ينكر ذلك (1). وأما قصر الألوهية والمعبودية فيه تعالى فلا لان ما اتخذوه من الالهة هي أسباب متوسطة وشفعاء أقوياء لها تأثيرات في الكون من شر أو خير يوجب على الانسان أن يتقرب إليها خوفا من شرها أو رجاء لخيرها.
دفعه بأن الله سبحانه هو القاهر فوق عباده لا يفوقه منهم أحد ولا يعادله فهم أنفسهم تحت قهره، وكذا أفعالهم وآثارهم لا يعملون عملا من خير أو شر إلا بإذنه ومشيته غير مستقلين بأمر البتة ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا غير ذلك، فما