تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ٣٤
فيلوح لنظر المغفل غير المتدبر أن يرد عليه الحجة بأن النهى لما كان مختصا بك كما تدعيه يختص الخوف ثم وجوب التوحيد أيضا بك فلا تقتضي الحجة وجوب التوحيد ونفى الشريك على غيرك، وتصير الحجة عليك لا على غيرك.
فأفاد بقوله: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) أن عذابه مشرف على الجميع محيط بالكل لا مخلص عنه إلا برحمته فعلى كل إنسان أن يخاف من عذاب يومئذ على نفسه ما يخافه النبي صلى الله عليه وآله على نفسه فالحجة عامة قائمة على جميع الناس لا خاصه به صلى الله عليه وآله.
قوله تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) إلى آخر الآية، قد كانت الحجتان المذكورتان في الآيات السابقة أخذتا أنموذجا مما يرجوه الانسان وهو الاطعام وانموذجا مما يخافه وهو عذاب يوم القيامة، وتممتا بهما البيان، ولم تتعرضا لسائر أنواع الضر وأقسام الخير التي يمس الله سبحانه بهما الانسان، والكل من الله عز اسمه.
فالآية توضح بالتصريح أن هناك من الضر ما هو غير عذاب يوم القيامة يمس الله سبحانه به الانسان يجب أن يتوجه إليه تعالى في كشفه، وأن من الخير ما يمس الله به الانسان ولا راد لفضله ولا مانع يمنع من إفاضته لقدرته على كل شئ، ورجاء الخير يوجب على الانسان أن يتخذه سبحانه إلها معبودا.
ولما أمكن أن يتوهم أن كونه تعالى يمس الانسان بضر أو بخير إنما يقتضى أن يتخذ معبودا، والخصم لا ينكر ذلك (1). وأما قصر الألوهية والمعبودية فيه تعالى فلا لان ما اتخذوه من الالهة هي أسباب متوسطة وشفعاء أقوياء لها تأثيرات في الكون من شر أو خير يوجب على الانسان أن يتقرب إليها خوفا من شرها أو رجاء لخيرها.
دفعه بأن الله سبحانه هو القاهر فوق عباده لا يفوقه منهم أحد ولا يعادله فهم أنفسهم تحت قهره، وكذا أفعالهم وآثارهم لا يعملون عملا من خير أو شر إلا بإذنه ومشيته غير مستقلين بأمر البتة ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا غير ذلك، فما

1 - الخاصة من الوثنية وان كانوا يجوزون عبادته تعالى استنادا إلى أنه غير محدود الوجود لا يتعلق به التوجه العبادي لكن العامة منهم ربما عبدوه في عرض سائر الهة كما يظهر من تلبية مشركي مكة في الحج: لبيك لا شريك لك الله شريكا هو لك تملكه وله ملك.
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346