لدوابهم ويمنع بالخصب لأنفسهم، والسبب الذي يدبر أمر السهل والجبل أو يلقى بالمحبة والألفة أو إليه أمر البحر والسفائن الجارية فيها.
ثم وجدوا أن قوتهم لا تفي بالتسلط على تلك الحاجة أو الحوائج الضرورية فاضطروا إلى الخضوع إلى السبب المربوط بحاجتهم واتخاذه إلها ثم عبادته.
وإما لانهم وجدوا هذا الانسان الأعزل غرضا لسهام الحوادث محصورا بمكاره وشرور عامة عظيمة لا يقاومها كالسيل والزلزلة والطوفان والقحط والوباء، وببلايا ومحن أخرى جزئية لا يحصيها كالأمراض والأوجاع والسقوط والفقر والعقم والعدو والحاسد والشانئ وغير ذلك، ثم وضعوا لها أسبابا قاهرة هي المرسلة لها إليهم، والقاصمة بها ظهورهم، والمكدرة لصفوة عيشهم، وهى مخلوقات علوية كأرباب الأنواع وأرواح الكواكب والاجرام العلوية فاتخذوها آلهة خوفا من سخطهم وعذابهم، وعبدوها ليستميلوها بالعبادة ويرضوها بالخضوع والاستكانة فيخلصوا بذلك عن المكاره والرزايا ويأمنوا شرورها والمضار النازلة منها إليهم.
والآية أعني قوله: (قل أغير الله أتخذ وليا) الخ، والآيات التالية لها تحتج على المشركين بقلب حجتيهم بعينهما إليهم أي تسلم أصل الحجة وتعدها حقة لكن تبين أن لازمها أن يعبد الله سبحانه وحده، وينفى عنه كل شريك موضوع.
فقوله تعالى: (قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم) إشارة إلى الحجة من المسلك الأول، وهو مسلك الرجاء أن يعبد الاله لأنه منعم فيكون عبادته شكرا لانعامه سببا لمزيده.
أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه السلام أن يبين لهم في صورة الاستفهام والسؤال أن الله سبحانه وحده هو الولي للنعمة التي يتنعم بها الانسان وغيره لأنه هو الرازق الذي لا يحتاج إلى أن يرزقه غيره يطعم ولا يطعم، والدليل عليه أنه تعالى هو الذي فطر السماوات والأرض وأخرجها من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وأنعم عليها بنعمة التحقق والثبوت، ثم أفاض عليها بنعم لا يحصيها ألا هو لابقاء وجودها، ومنها الاطعام للانسان وغيره فإن جميع هذه النعم المعدة لبقاء وجود الانسان وغيره، والأسباب التي تسوق تلك النعم إلى محال الاستحقاق كل ذلك ينتهى إلى فطره وإيجاده الأشياء والأسباب ومسبباتها