شهادة فإنه هو الذي أوجد كل ما دق وجل من الأشياء، وإليه ينتهى كل أمر وخلق، وهو المحيط بكل شئ ومع كل شئ لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر لا يضل ولا ينسى.
ولكون الامر بينا لا يقع فيه شك لم يحتج إلى إيراد الجواب في اللفظ بأن يقال:
قل الله أكبر شهادة، كما قيل: (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله) (الانعام: 12) أو يقال: سيقولون الله، كما قيل: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله) (المؤمنون: 85). على أن قوله: (قل الله شهيد بيني وبينكم) يدل عليه ويسد مسده، وليس من البعيد أن يكون قوله (شهيد) خبرا لمبتدء محذوف هو الضمير العائد إلى الله، والتقدير:
(قل الله هو شهيد بيني وبينكم) فتشتمل الجملة على جواب السؤال وعلى ما استؤنف من الكلام.
وقوله: (قل الله شهيد بيني وبينكم) على أنه يشتمل على إخباره صلى الله عليه وآله بشهادة الله تعالى هو بنفسه شهادة لمكان قوله: (قل) إذ أمره بأن يخبرهم بشهادته تعالى بالنبوة لا ينفك عن الشهادة بذلك، وعلى هذا فلا حاجة إلى التشبث بأنواع ما وقع في القرآن الكريم من شهادة الله تعالى على نبوته صلى الله عليه وآله وسلم وعلى نزول القرآن من عنده كقوله تعالى: (والله يعلم إنك لرسوله) (: المنافقون: 1) أو قوله: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه) (النساء: 166) وغير ذلك من الآيات الدالة على ذلك تصريحا أو تلويحا بلفظ الشهادة أو بغيره.
وتقيد شهادته تعالى بقوله (بيني وبينكم) يدل على توسط تعالى بين طرفين متخاصمين هما النبي صلى الله عليه وآله وقومه، والنبي لم ينعزل عنهم ولم يتميز منهم في جانب إلا في دعوى النبوة والرسالة ودعوى نزول القرآن لكن نزول القرآن بالوحي قد ذكر بعد في قوله: (وأوحى إلى هذا القرآن) فالمراد بشهادته تعالى بينه وبينهم شهادته بنبوته، ويؤيده أيضا قوله في الآية التالية: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) على ما سيجئ إن شاء الله.
قوله تعالى: (وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) من مقول القول