أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (الأحزاب: 33) فبين أنهم مطهرون بتطهيره، ثم قال: (إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون) (الواقعة: 79) فعدهم العلماء بالقرآن الذي هو تبيان كل شئ والمطهرون هم القدر المتيقن من هذه الأمة في الشهادة بالحق التي لا سبيل للغو والتأثيم إليها، وقد أشبعنا الكلام في معنى الشفاعة في الجزء الأول من الكتاب فليراجع.
قوله تعالى: (إنه لا يفلح الظالمون) الفلاح والفوز والنجاح والظفر والسعادة ألفاظ قريبة المعنى، ولهذا فسر الراغب الفلاح بإدراك البغية الذي هو معنى السعادة تقريبا، قال في المفردات: الفلح: الشق، وقيل الحديد بالحديد يفلح أي يشق، والفلاح الاكار لذلك والفلاح الظفر وإدراك البغية، وذلك ضربان دنيوي وأخروي:
فالدنيوي الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز و إياه قصد الشاعر بقوله:
أفلح بما شئت فقد يدرك * بالضعف وقد يخدع الاريب.
وفلاح أخروي، وذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل. انتهى، فمن الممكن أن يقال: إن الفلاح هو السعادة سميت به لان فيها الظفر وإدراك البغية بشق الموانع الحائلة دون المطلوب. وهذا معنى جامع ينطبق على موارد الاستعمال كقوله: (قد أفلح المؤمنون) (المؤمنون: 1)، وقوله: (قد أفلح من زكاها) (الشمس: 9)، وقوله، (إنه لا يفلح الكافرون) (المؤمنون: 117) إلى غير ذلك من الموارد. فقوله: (إنه لا يفلح الظالمون) - وقد أخذ الظلم وصفا - معناه أن الظالمين لا، يدركون بغيتهم التي تشبثوا لأجل إدراكها بما تشبثوا به فإن الظلم لا يهدى الظالم إلى ما يبتغيه من السعادة والظفر بواسطة ظلمه. وذلك أن السعادة لن تكون سعادة إلا إذا كانت بغية ومطلوبا بحسب واقع الامر وخارج الوجود، ويكون حينئذ الشئ الذي يطلب هذه البغية والسعادة بحسب وجوده طبيعة كونه مجهزا بما يناسب هذه السعادة المطلوبة من الأسباب والأدوات