أحدهما: أن قوله: (أول من أسلم) إن كان المراد أول من أسلم من بينكم فهو ظاهر فقد أسلم صلى الله عليه وآله قبل أمته، وإن كان المراد به أول من أسلم من غير تقييد كما هو ظاهر الاطلاق كانت أوليته في ذلك بحسب الرتبة دون الزمان.
وثانيهما: أن نتيجة الحجة لما كانت هي العبودية وهى نوع خضوع وتسليم كان استعمال لفظة الاسلام في المقام أولى من لفظة الايمان لما فيه من الدلالة على غرض العبادة، وهو الخضوع.
قوله تعالى: (قل إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم) وهذا هو المسلك الثاني من المسلكين اللذين تقدم أن المشركين تعلقوا بهما في اتخاذ الالهة، وهو أن عبادة آلهتهم يؤمنهم من شمول سخطها ونزول عذابها.
وقد أخذ سبحانه في الحجة أخوف ما يجب أن يخاف منه من أنواع العذاب وأمره وهو عذاب الساعة التي ثقلت في السماوات والأرض كما أخذ في الحجة الأولى أحوج ما يحتاج إليه الانسان بحسب بادئ النظر من النعم، وهو الاطعام.
وقد قيل: (إن عصيت ربى) دون أن يقال: إن أشركت بربي إشارة إلى ما في قوله تعالى في الآية السابقة: (ولا تكونن من المشركين) من نهيه صلى الله عليه وآله عن الشرك فأدت الآية أن من الواجب علي عقلا أن أعبد الله وحده لأومن مما أخاف من عذاب يوم عظيم، وهذا الذي دل عليه العقل دلنى عليه الوحي من ربى.
وبهذا تناظر هذه الآية الآية السابقة من جهة إقامة الحجة العقلية أولا ثم تأييده بالوحي من الله سبحانه فافهم ذلك، وهذا من لطائف إيجاز القرآن الكريم فقد اكتفى في إفادة هذا المعنى على سعته بمجرد وضع قوله: (عصيت) موضع أشركت.
قوله تعالى: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) الخ، المعنى ظاهر الآية متممة للحجة المسرودة في الآية السابقة فظاهر الآية السابقة بحسب النظر البسيط إقامة النبي صلى الله عليه وآله الحجة في وجوب التوحيد على نفسه بأن الله نهاه عن الشرك فيجب عليه توحيده ليؤمن عذاب الآخرة.