فالقاهر من الأسماء التي تصدق عليه تعالى كما تصدق على غيره، غير أن بين قهره تعالى وقهر غيره فرقا، وهو أن غيره تعالى من الأشياء إنما يقهر بعضها بعضا وهما مجتمعان من جهة مرتبة وجودهما ودرجة كونهما بمعنى أن النار تقهر الحطب على الاحتراق والاشتعال، وهما معا موجودان طبيعيان يقتضى أحدهما بالطبع خلاف ما يقتضيه الاخر لكن النار أقوى في تحميل أثرها على الحطب منه من النار فهى تظهر عليه في تأثيرها بأثرها فيه.
والله سبحانه قاهر لا كقهر النار الحطب، بل هو قاهر بالتفوق والاحاطة على الاطلاق بمعنى أنا إذا نسبنا احراق جسم وإشعاله كالحطب مثلا إلى الله سبحانه فهو سبحانه قاهر عليه بالوجود المحدود الذي أوجده به، قاهر عليه بالخواص والكيفيات التي أعطاها له وعبأه بها بيده، قاهر عليه بالنار التي أوقدها لاحراقه وإشعاله، وهو المالك لجميع ما للنار من ذات وأثر، قاهر عليه بقطع عطية المقاومة للحطب، ووضع الاحتراق والاشتعال موضعه فلا مقاومة ولا تعصى ولا جموح ولا شبه ذلك قبال إرادته ومشيته لكونها من أفق أعلى.
فهو تعالى قاهر على عباده لكنه فوقهم لا كقهر شئ شيئا وهما متزاملان. وقد صدق القرآن الكريم هذا البحث بنتيجته فذكره اسما له تعالى في موضعين من هذه السورة وهما هذه الآية وآية (61). وقيد الاسم في كلا الموضعين بقوله: (فوق عباده) والغالب في المحفوظ من موارد استعمال القهر هو أن يكون المغلوب من أولى العقل بخلاف الغلبة، ولذا فسره الراغب بالتذليل، والذلة في أولى العقل أظهر، ولا يمنع ذلك من صحة صدقه في غير مورد أولى العقل بحسب الاستعمال أو بعناية.
والله سبحانه قاهر فوق عباده يمسهم بالضر وبالخير ويذللهم لمطاوعته وقاهر فوق عباده فيما يفعلونه ويؤثرون به من أثر لأنه المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم.
ولما نسب في الآيتين إليه المس بالضر والخير، وقد ينسبان إلى غيره، ميز مقامه من مقام غيره بقوله في ذيل الآية: (وهو الحكيم الخبير) فهو الحكيم لا يفعل ما يفعل جزافا وجهلا، الخبير لا يخطئ ولا يغلط كغيره.