جميعا من صنعه.
فإليه سبحانه يرجع الرزق الذي من أهم مظاهره عند الانسان الاطعام فيجب أن يعبد الله وحده لأنه هو الذي يطعمنا من غير حاجة إلى إطعام من غيره.
فظهر بما بيناه أولا: أن التعبير عن العبودية والتأله باتخاذ الولي في قوله: (أغير الله أتخذ وليا) إنما هو لكون الحجة مسوقة من جهة إنعامه تعالى بالاطعام.
وثانيا: أن التعلق بقوله: (فاطر السماوات والأرض) إنما هو لبيان سبب انحصار الاطعام به تعالى كما تقدم تقريره، وربما استفيد ذلك من التعريض الذي في قوله:
(ولا يطعم) فإن فيه تعريضا بكون سائر من اتخذوهم آلهة محتاجين كعيسى وغيره إلى إطعام أو ما يجرى مجراه.
ومن الممكن أن يستفاد من ذكره في الحجة أنه إشارة إلى مسلك آخر في إقامة الحجة على توحيده تعالى هو أشرف من المسلكين جميعا، ومحصله أن الله سبحانه هو الموجد لهذا العالم، وإلى فطره ينتهى كل شئ فيجب الخضوع له.
ووجه كون هذا المسلك أشرف: هو أن المسلكين الآخرين وإن كانا أنتجا توحيد الاله من جهة أنه معبود لكنهما لا يخلوان مع ذلك من شئ، وهو أنهما ينتجان وجوب عبادته طمعا في النعمة أو خوفا من النقمة فالمطلوب بالذات هو جلب النعمة أو الامن من النقمة دونه تعالى وتقدس، وأما هذا المسلك فإنه ينتج وجوب عباده الله لأنه الله سبحانه.
وثالثا: أن اختصاص الاطعام من بين نعمه تعالى على كثرتها بالذكر إنما العناية فيه كون الاطعام بحسب النظر الساذج أوضح حوائج الحيوان العائش ومنه الانسان.
ثم أمر سبحانه بعد تمام الحجة نبيه صلى الله عليه وآله أن يذكر لهم ما يؤيد به هذه الحجة العقلية، وهو أن الله أمره من طريق الوحي أن يجرى في اتخاذ الاله على الطريق الذي يهدى إليه العقل وهو التوحيد، ونهاه صريحا أن يتخطاه إلى أن يلحق بالمشركين فقال: (قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) ثم قال: (ولا تكونن من المشركين).
بقى هنا أمران: