وهو معطوف على قوله: (الله شهيد) الخ، وجعل الانذار غاية لنزول القرآن الكريم أخذ بمسلك الخوف في الدعوة النبوية، وهو الأوقع في أفهام عامة الناس فإن مسلك الرجاء والوعد وإن كان أحد الطريقين في الدعوة، وقد استعمله الكتاب العزيز في الجملة لكن رجاء الخير لا يبعث إلى طلبه بعثا الزاميا وانما يورث شوقا ورغبه بخلاف الخوف لوجوب دفع الضرر المحتمل عقلا.
ولان دعوة الاسلام إنما هي إلى دين الفطرة، وهو مخزون مكنوز في فطرة الناس وإنما حجبهم عنه ما ابتلوا به من الشرك والمعصية مما يوجب عليهم غلبه الشقوة ونزول السخط الإلهي فالأقرب إلى الحكمة والحزم في دعوتهم أن تبدأ بالانذار، ولهذا كله ربما حصر شأن النبي صلى الله عليه اله وفي الانذار كما في قوله: (إن أنت إلا نذير) (الفاطر: 23) وقوله: (وإنما أنا نذير مبين) (العنكبوت: 50).
هذا في عامة الناس وأما الخاصة من عباد الله، وهم الذين يعبدونه حبا له لا خوفا من نار ولا طمعا في جنة فإنهم يتلقون من الدعوة بالخوف والرجاء أمرا آخر فإنهم يتلقون من النار أنها دار بعد وسخط فيخافونها لذلك، ومن الجنة أنها ساحة قرب ورضوان فيشتاقون إليها لذلك.
وظاهر قوله: (لأنذركم به ومن بلغ) أنه خطاب لمشركي مكة أو لقريش وللعرب عامة إلا أن التقابل بين ضمير الخطاب وبين من بلغ - والمراد بمن بلغ هو من لم يشافهه النبي صلى الله عليه وآله بالدعوة في زمن حياته أو بعده - يدل على أن المراد بالمخاطبين في قوله: (لأنذركم به هم) الذين شافههم النبي صلى الله عليه وآله بالدعوة ممن تقدم دعاءه على نزول الآية أو قارنه أو تأخر عنه.
فقوله: (وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) يدل على عموم رسالته عليه السلام بالقرآن لكل من سمعه منه أو سمعه من غيره إلى يوم القيامة، وإن شئت فقل:
تدل الآية على كون القرآن الكريم حجة من الله وكتابا له ينطق بالحق على أهل الدنيا من لدن نزوله إلى يوم القيامة.
وقد قيل: (لأنذركم به) ولم يقل: لأنذركم بقراءته فالقرآن حجة على من سمع لفظه وعرف معناه واهتدى إلى مقاصده، أو فسر له لفظه وقرع سمعه بمضامينه