فليس من شرط كتاب مكتوب إلى قوم أن يكون بلسانهم بل أن تقوم عليهم حجته وتشملهم مضامينه، وقد دعا صلى الله عليه وآله بكتابه إلى مصر والحبشة والروم وإيران ولسانهم غير لسان القرآن، وقد كان فيمن آمن به في حياته وقبل إيمانهم سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وعدة من اليهود ولسانهم عبرى هذا كله مما لا ريب فيه.
قوله تعالى: (أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد) إلى آخر الآية، لما ذكر شهادة الله وهو أكبر شهادة على رسالته ولم يرسل إلا ليدعوهم إلى دين التوحيد، وليس لاحد بعد شهادة الله سبحانه على أن لا شريك له في ألوهيته أن يشهد أن مع الله آلهة أمر نبيه أن يسألهم سؤال متعجب منكر: هل يشهدون بتعدد الالهة، وهذا هو الذي يدل عليه تأكيد المسئول عنه بأن واللام، كأن النفس لا تقبل أن يشهدوا به بعد أن سمعوا شهادة الله تعالى.
ثم أمره أن يخالفهم في الشهادة فينفي عن نفسه الشهادة بما شهدوا به فقال: (قل لا أشهد) أي بما شهدتم به بقرينة المقام، ثم قال: (قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون) وهو شهادة على وحدانيته تعالى، والبراءة مما يدعون له من شركاء.
قوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) هذا إخبار عما شهد به الله سبحانه في الكتب المنزلة على أهل الكتاب، وعلمه علماء أهل الكتاب مما عندهم من كتب الأنبياء من البشارة بعد البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله وصفه بما لا يعتريه شك ولا يطرأ عليه ريب.
فهم بما استحضروا من نعته صلى الله عليه وآله يعرفونه بعينه كما يعرفون أبناءهم، قال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) (الأعراف: 157) وقال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل) (الفتح: 29)، وقال تعالى: (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) (الشعراء: 197).
ولما كان بعض علمائهم يكتمون ما عندهم من بشاراته ونعوته صلى الله عليه وآله ويستنكفون عن الايمان به بين الله تعالى خسرانهم في أمرهم فقال: (الذين خسروا