قوله تعالى: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) لما تمهد ما قدمه من البيان الذي هو حجه على أن الله سبحانه هو أحق بأن يطاع من غيره استنتج منه وجوب الاخذ بالحكم الذي شرعه وهو الذي يدل عليه هذه الآية، ووجوب رفض ما يبيحه غيره بهواه من غير علم ويجادل المؤمنين فيه بوحي الشياطين إليه، وهو الذي يدل عليه قوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه إلى آخر الآية.
ومن هنا يظهر أن العناية الأصلية متعلقة بجملتين من بين الجمل المتسقة في الآية إلى تمام أربع آيات، وسائر الجمل مقصودة بتبعها يبين بها ما يتوقف عليه المطلوب بجهاته فأصل الكلام: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه أي فرقوا بين المذكى والميتة فكلوا من هذه ولا تأكلوا من ذاك، وإن كان المشركون يجادلونكم في أمر التفريق.
فقوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله) تفريع للحكم على البيان السابق، ولذا أردفه بقوله: (إن كنتم بآياته مؤمنين) والمراد بما ذكر اسم الله عليه الذبيحة المذكاة.
قوله تعالى: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) إلى آخر الآية، بيان تفصيلي لاجمال التفريع الذي في الآية السابقة، والمعنى: أن الله فصل لكم ما حرم عليكم واستثنى صورة الاضطرار وليس فيما فصل لكم ما ذكر اسم الله عليه فلا بأس بأكله وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين المتجاوزين عن حدوده وهؤلاء هم المشركون القائلون: لا فرق بين ما قتلتموه أنتم وما قتله الله فكلوا الجميع أو دعوا الجميع.
ويظهر بما مر أن معنى قوله: (وما لكم أن لا تأكلوا) ما لكم من نفع في أن لا تأكلوا، وما للاستفهام التعجيبي، وقيل: المعنى ليس لكم أن لا تأكلوا، وما للنفي.
ويظهر من الآية أن محرمات الاكل نزلت قبل سورة الأنعام وقد وقعت في سورة النحل من السور المكية فهى نازلة قبل الانعام.
قوله تعالى: (وذروا ظاهر الاثم وباطنه) إلى آخر الآية، وإن كانت مطلقة بحسب المضمون تنهى عن عامة الاثم ظاهرة وباطنه غير أن ارتباطها بالسياق المتصل الذي لسابقتها ولاحقتها يقضى بكونها تمهيدا للنهي الآتي في قوله: (ولا تأكلوا مما لم