ربك صدقا وعدلا) كلمة الدعوة الاسلامية وما يلازمها من نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن المهيمن على ما تقدم عليه من الكتب السماوية المشتمل على جوامع المعارف الإلهية وكليات الشرائع الدينية كما أشار إليه فيما حكى من دعاء إبراهيم عليه السلام عند بناء الكعبة:
(ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) (البقرة: 129).
وأشار إلى تقدم ذكره في الكتب السماوية في قوله: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (الأعراف: 157) وبذلك يشعر قوله في الآية السابقة: (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق) وقوله: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) (البقرة: 146) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
فالمراد بتمام الكلمة - والله أعلم - بلوغ هذه الكلمة أعني ظهور الدعوة الاسلامية بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب، مرتبة الثبوت واستقرارها في مستقر التحقق بعد ما كانت تسير دهرا طويلا في مدارج التدريج بنبوة بعد نبوة وشريعة بعد شريعة فإن الآيات الكريمة دالة على أن الشريعة الاسلامية تتضمن جمل ما تقدمت عليه من الشرائع وتزيد عليها بما ليس فيها كقوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) (الشورى: 13).
وبذلك يظهر معنى تمام الكلمة وأن المراد به انتهاء تدرج الشرائع من مراحل النقص إلى مرحلة الكمال ومصداقه الدين المحمدي قال تعالى: (والله متم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (الصف: 9). وتمام هذه الكلمة الإلهية صدقا هو أن يصدق القول بتحققها في الخارج بالصفة التي بين بها، وعدلا أن تتصف بالتقسيط على سواء فلا يتخلف بعض أجزائه عن بعض وتزن الأشياء على النحو الذي من شأنها أن توزن به من غير إخسار أو حيف وظلم، ولذلك بين هذين القيدين أعني (صدقا وعدلا) بقوله (لا مبدل لكلماته) فإن الكلمة الإلهية إذا لم تقبل تبديلا من مبدل سواء كان المبدل هو نفسه تعالى كأن ينقض ما قضى بتبدل