فالانسان قبل أن يمسه الهدى الإلهي كالميت المحروم من نعمة الحياة الذي لا حس له ولا حركة فإن آمن بربه إيمانا يرتضيه كان كمن أحياه الله بعد موته، وجعل له نورا يدور معه حيث دار يبصر في شعاعه خيره من شره ونفعه من ضره فيأخذ ما ينفعه ويدع ما يضره وهكذا يسير في مسير الحياة.
وأما الكافر فهو كمن وقع في ظلمات لا مخرج له منها ولا مناص له عنها ظلمة الموت وما بعد ذلك من ظلمات الجهل في مرحلة تمييز الخير من الشر والنافع من الضار، ونظير هذه الآية في معناها بوجه قوله تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله) (الانعام: 36) وقال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) (النحل: 97).
ففي الكلام استعارة الموت للضلال واستعارة الحياة للايمان أو الاهتداء والاحياء للهداية إلى الايمان والنور للتبصر بالاعمال الصالحة، والظلمة للجهل كل ذلك في مستوى التفهيم والتفهم العموميين لما أن أهل هذا الظرف لا يرون للانسان بما هو إنسان حياة وراء الحياة الحيوانية التي هي المنشأ للشعور باللذائذ المادية والحركة الإرادية نحوها.
فهؤلاء يرون أن المؤمن والكافر لا يختلفان في هذه الموهبة وهى فيهما شرع سواء فلا محالة عد المؤمن حيا بحياة الايمان ذا نور يمشى به في الناس، وعد الكافر ميتا بميتة الضلال في ظلمات لا مخرج منها ليس إلا مبتنيا على عناية تخييلية واستعارة تمثيلية يمثل بها حقيقة المعنى المقصود.
لكن التدبر في أطراف الكلام والتأمل فيما يعرفه القرآن الكريم يعطى للآية معنى وراء هذا الذي يناله الفهم العامي فإن الله سبحانه ينسب للانسان الإلهي في كلامه حياة خالدة أبدية لا تنقطع بالموت الدنيوي هو فيها تحت ولاية الله محفوظ بكلاءته مصون بصيانته لا يمسه نصب ولا لغوب، ولا يذله شقاء ولا تعب، مستغرب في حب ربه مبتهج ببهجة القرب لا يرى إلا خيرا، ولا يواجه إلا سعادة وهو في أمن وسلام لا خوف معه ولا خطر، وسعادة وبهجة ولذة لا نفاذ لها ولا نهاية لأمدها.
ومن كان هذا شأنه فإنه يرى ما لا يراه الناس، ويسمع ما لا يسمعونه، ويعقل