والغرض من إيجاده وما ينتهى إليه الامر من البعث والنشور وما يتعلق به من النبوة والكتاب والحكم فإن ذلك كله مما لا يقبل الركون إلى الظن والتخمين والله سبحانه لا يرتضى من عباده في ذلك إلا العلم واليقين، والآيات في ذلك كثيرة جدا كقوله تعالى:
(ولا تقف ما ليس لك به علم) (الاسراء: 36).
ومن أوضحها دلالة هذه الآية التي نحن فيها يبين فيها أن أكثر أهل الأرض لركونهم العام إلى الظن والتخمين لا يجوز طاعتهم فيما يدعون إليه ويأمرون به في سبيل الله وطريق عبوديته لان الظن ليس مما يكشف به الحق الذي يستراح إليه في أمر الربوبية والعبودية لملازمته الجهل بالواقع وعدم الاطمئنان إليه، ولا عبودية مع الجهل بالرب وما يريده من عبده.
فهذا هو الذي يقضى به العقل الصريح، وقد أمضاه الله سبحانه كما في قوله في الآية التالية في معنى تعليل النهى عن الطاعة: (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) حيث علل الحكم بعلم الله دون حكم العقل، وقد جمع سبحانه بين الطريقين جميعا في قوله: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن و إن الظن لا يغنى من الحق شيئا وهذا أخذ بحكم العقل - فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) (النجم: 30) وفي ذيل الآية استناد إلى علم الله سبحانه وحكمه.
قوله تعالى: (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) ذكروا أن (أعلم) إذا لم يتم بمن ربما أفاد معنى التفضيل وربما استعمل بمعنى الصفة خالية عن التفضيل، والآية تحتمل المعنيين جميعا فإن أريد حقيقة العلم بالضالين والمهتدين فهو لله سبحانه لا يشاركه فيها أحد حتى يفضل عليه، وإن أريد مطلق العلم أعم مما كان المتصف به متصفا بذاته أو كان اتصافه به بعطية منه تعالى كان المتعين هو معنى التفضيل فإن لغيره تعالى علما بالضال والمهتدي قدر ما أفاضه الله عليه من العلم.
وتعدى أعلم بالباء في قوله: (أعلم بالمهتدين) يدل على أن قوله: (من يضل) منصوب بنزع الخافض والتقدير: (أعلم بمن يضل) ويؤيده ما نقلناه آنفا من آية سورة النجم.