(بيان) الآيات على ما لها من الاتصال بما قبلها كما يدل عليه التفريع بالفاء في قوله: أفغير الله أبتغي حكما) الخ، لها فيما بينها أنفسها - وهى ثمان آيات - اتصال يرتبط به بعضها ببعض ويرجع بعضها إلى بعض فإن فيها إنكار أن يتخذ حكم إلا الله وقد فصل أحكامه في كتابه، ونهيا من اتباع الناس وإطاعتهم وأن إطاعة أكثر الناس من المضلات لاتباعهم الظن وبنائهم على الخرص والتخمين، وفي آخرها أن المشركين وهم أولياء الشياطين يجادلون المؤمنين في أمر أكل الميتة، وفيها الامر بأكل ما ذكر اسم الله عليه والنهى عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه، وأن ذلك هو الذي فصله في كتابه وارتضاه لعباده.
وهذا كله يؤيد ما نقل عن ابن عباس: أن المشركين خاصموا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين في أمر الميتة قائلين: أتأكلون مما قتلتم أنتم ولا تأكلون مما قتله الله؟ فنزلت، فالغرض من هذه الآيات بيان الفرق وتثبيت الحكم.
قوله تعالى: (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا) قال في المجمع: الحكم والحاكم بمعنى واحد إلا أن الحكم أمدح لان معناه من يستحق أن يتحاكم إليه فهو لا يقضى إلا بالحق وقد يحكم الحاكم بغير حق. قال: ومعنى التفصيل تبيين المعاني بما ينفى التخليط المعمي للمعنى، وينفى أيضا التداخل الذي يوجب نقصان البيان عن المراد، انتهى.
وفي قوله: (أفغير الله أبتغي حكما) تفريع على ما تقدم من البصائر التي جاءت من قبله تعالى، وقد ذكر قبل ذلك في القرآن أنه كتاب أنزله مبارك مصدق الذي بين يديه من التوراة والإنجيل، والمعنى: أفغير الله من سائر من تدعون من الالهة أو من ينتمى إليهم أطلب حكما يتبع حكمه وهو الذي أنزل عليكم هذا الكتاب وهو القرآن مفصلا متميزا بعض معارفه من بعض غير مختلط بعض أحكامه ببعض، ولا يستحق الحكم إلا من هو على هذه الصفة فالآية كقوله تعالى: (والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ إن الله هو السميع البصير) (المؤمن: 20).
وقوله: (أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدى إلا أن يهدى) (يونس: 35).