إرادة أو يخلف ميعاده، أو كان المبدل غيره تعالى كأن يعجزه غيره ويقهره على خلاف ما يريد كانت كلمته صدقا، تقع كما قال، وعدلا لا تنحرف عن حالها التي كانت عليها وصفها الذي وصفت به فالجملة أعني قوله: (لا مبدل لكلماته) بمنزلة التعليل يعلل بها قوله:
(صدقا وعدلا).
ومن أقوال المفسرين في الآية أن المراد بالكلمة والكلمات القرآن وقيل: إن المراد بالكلمة القرآن، وبالكلمات ما فيه غير الشرائع فإنها تقبل التبديل بالنسخ والله سبحانه يقول: (لا مبدل لكلماته وقيل: المراد بالكلمة الدين، وقيل: المراد الحجة، وقيل: الصدق ما كان في القرآن من الاخبار والعدل ما فيه من الاحكام، هذا.
وقوله تعالى: (وهو السميع العليم) أي السميع المستجيب لما تدعونه بلسان حاجتكم، العليم بحقيقة ما عندكم من الحاجة، أو السميع بما يحدث في ملكه بواسطة الملائكة الرسل، والعليم بذلك من غير واسطة، أو السميع لأقوالكم، العليم بأفعالكم.
قوله تعالى: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) إلى آخر الآية.
الخرص الكذب والتخمين، والمعنى الثاني هو الأنسب بسياق الآية فإن الجملة أعني قوله:
(وإن هم إلا يخرصون) والتي قبلها أعني قوله: (إن يتبعون إلا الظن) واقعتان موقع التعليل لقوله: (وإن تطع أكثر من في الأرض الخ، واتباع الظن والقول بالخرص والتخمين سببان بالطبع للضلال في الأمور التي يسوغ الاعتماد فيها إلا على العلم واليقين كالمعارف الراجعة إليه تعالى والشرائع المأخوذة من قبله.
وسير الانسان وسلوكه الحيوي في الدنيا وإن كان لا يتم دون الركون إلى الظن والاستمداد من التخمين حتى أن الباحث عن علوم الانسان الاعتبارية والعلل والأسباب التي تدعوه إلى صوغه لها وتقليبها في قالب الاعتبار، وارتباطها بشؤونه الحيوية وأعماله وأحواله لا يكاد يجد مصداقا يركن الانسان فيه إلى العلم الخالص واليقين المحض اللهم إلا بعض الكليات النظرية التي ينتهى إليها مما يضطر إلى الاذعان بها والاعتماد عليها.
إلا أن ذلك كله فيما يقبل التقريب والتخمين من جزئيات الأمور في الحياة، وأما السعادة الانسانية التي فيه فوز هذا النوع وفلاحه، والشقاء الذي يرتبط به الهلاك الأبدي والخسران الدائم، وما يتوقف عليه التبصر فيهما من النظر في العالم وصانعه