قوله تعالى: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا) إلى آخر الآية، الاضلال مقابل الهداية، ولذا كان أثره مقابلا لاثرها وهو التضييق المقابل للشرح والتوسعة وأثره أن لا يسع ما يتوجه إليه من الحق، والصدق، يتحرج عن دخولهما فيه، ولذا أردف كون الصدر ضيقا بكونه حرجا.
والحرج على ما في المجمع أضيق الضيق، وقال في المفردات: أصل الحرج والحراج مجتمع الشئ وتصور منه ضيق ما بينهما فقيل للضيق حرج وللإثم حرج. انتهى.
فقوله: (حرجا كأنما يصعد في السماء) في محل التفسير لقوله: (ضيقا) وإشارة إلى أن ذلك نوع من الضيق يناظر بوجه التضيق والتحرج الذي يشاهد من الظروف والأوعية إذا أريد إدخال ما هو أعظم منها ووضعه فيها.
وقوله: (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) إعطاء ضابط كلى في إضلال الذين لا يؤمنون إنهم يفقدون حال التسليم لله والانقياد للحق، وقد أطلق عدم الايمان وإن كان مورد الآيات عدم الايمان بالله سبحانه وهو الشرك به لكن الذي سبق من البيان في الآية يشمل عدم الايمان بالله وهو الشرك، وعدم الايمان بآيات الله وهو رد بعض ما أنزله الله من المعارف والاحكام فقد دل على ذلك كله بقوله: (يشرح صدره للاسلام) الخ، وبقوله سابقا: (وجعلنا له نورا يمشى به) إلخ، وقوله: (يجعل صدره ضيقا حرجا) إلخ، وبقوله سابقا: (في الظلمات ليس بخارج منها).
وقد سمى في الآية الضلال الذي يساوق عدم الايمان رجسا والرجس هو القذر غير إنه اعتبر فيه نوعا من الاستعلاء الدال عليه قوله: (على الذين لا يؤمنون) كأن الرجس يعلوهم ويحيط بهم فيحول بينهم وبين غيرهم فيتنفر منهم الطباع كما يتنفر من الغذاء الملطخ بالقذر.
وقد استدل بالآية على أن الهدى والضلال من الله لا صنع فيهما لغيره تعالى وهو خطأ فإن الآية - كما عرفت - في مقام بيان حقيقة الهدى والضلال اللذين من الله ونوع تعريف لهما وتحديد لا في مقام بيان انحصارهما فيه وانتفائهما عن غيره كما هو المدعى وهو ظاهر.
ونظير ذلك ما ذكره بعضهم: أن الآية كما تدل بلفظها على قولنا: إن الهداية