قوله تعالى: (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون إلى آخر الآية رجوع إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتأكد به يقينه ويزيد في ثبوت قدمه فيما ألقاه إلى المشركين من الخطاب المشعر بأن الكتاب النازل إليه منزل من ربه بالحق ففي الكلام التفات، وهو بمنزلة المعترضة ليزيد بذلك رسوخ قدمه واطمئنان قلبه وليعلم المشركون أنه على بصيرة من أمره.
وقوله: (بالحق) متعلق بقوله: (منزل من ربك) وكون التنزيل بالحق هو أن لا يكون بتنزيل الشياطين بالتسويل أو بطريق الكهانة كما في قوله تعالى: (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم) (الشعراء: 222) أو بتخليط الشياطين بعض الباطل بالوحي الإلهي، وقد أمن الله رسول من ذلك بمثل قوله: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم (الجن: 28).
قوله تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) الكلمة - وهى ما دل على معنى تام أو غيره - ربما استعملت في القرآن في القول الحق الذي قاله الله عز من قائل من القضاء أو الوعد كما في قوله: (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم) (يونس: 19) يشير إلى قوله لادم عند الهبوط: (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) (البقرة: 36) وقوله تعالى: (حقت عليهم كلمة ربك) (يونس: 96) يشير إلى قوله تعالى لإبليس: (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) (ص: 85) وقد فسرها في موضع آخر بقوله: (وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (هود: 119) وكقوله تعالى: (وتمت كلمة ربك الحسنى) وعلى بني إسرائيل بما صبروا (الأعراف: 137) يشير إلى ما وعدهم إنه سينجيهم من فرعون ويورثهم الأرض كما يشير إليه قوله: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) (القصص: 5).
وربما استعملت الكلمة في العين الخارجي كالانسان مثلا كقوله تعالى: (إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم) (آل عمران: 45) والعناية فيه إنه عليه السلام خرق عادة التدريج وخلق بكلمة إلهية موجدة قال تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (آل عمران: 59).
فظاهر سياق الآيات فيما نحن فيه يعطى أن يكون المراد بقوله: (وتمت كلمة