فاتركهم حتى يتوب تائبهم: فقال بل يتوب تائبهم فأنزل الله: (وأقسموا بالله جهد إيمانهم - إلى قوله - يجهلون).
أقول: القصة المذكورة سببا للنزول في الرواية لا تنطبق على ظاهر الآيات فقد تقدم أن ظاهرها الاخبار عن أنهم لا يؤمنون بما يأتيهم من الآيات، وأنهم ليسوا بمفارقي الشرك وإن أتتهم كل آية ممكنة حتى يشاء الله منهم الايمان ولم يشأ ذلك، وإذا كان هذا هو الظاهر من الآيات فكيف ينطبق على ما في الرواية من قول جبرئيل: أن شئت صار ذهبا فإن لم يؤمنوا عذبوا، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم، الخ.
فالظاهر أن الآيات في معنى قوله: (إن الذين كفروا سواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) (البقرة: 6) فكأن طائفة من صناديد المشركين اقترحوا آيات سوى القرآن وأقسموا بالله جهد إيمانهم لئن جاءتهم ليؤمنن بها فكذبهم الله بهذه الآيات وأخبر أنهم لن يؤمنوا لأنه تعالى لم يشأ ذلك نكالا عليهم.
وفي تفسير القمي في قوله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) الآية في رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في الآية، يقول: وننكس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها، ونعمى أبصارهم فلا يبصرون الهدى. وقال علي بن أبي طالب عليه السلام إن ما تقلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بقلوبكم فمن لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر منكرا نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه فلا يقبل خيرا أبدا.
أقول: المراد بذلك تقلب النفس في إدراكها وانعكاس إحكامها من جهة اتباع الهوى والاعراض عن سليم العقل المعدل لمقترحات القوى الحيوانية الطاغية.
وفي تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهم السلام عن قول الله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) إلى آخر الآية أما قوله: (كما لم يؤمنوا به أول مرة) فإنه حين أخذ عليهم الميثاق.
أقول: سيأتي الكلام الفصل في الميثاق في تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) الآية (الأعراف: 172) لكن تقدم أن ظاهر السياق أن المراد بعدم إيمانهم به أول مرة عدم إيمانهم بالقرآن في أول الدعوة