يعود إلى نفس المدعوين فلو مكر الانسان مكرا بالله وآياته ليفسد بذلك الغرض من الدعوة ويمنع عن نجاح السعي فيها فإنما مكر بنفسه من حيث لا يشعر: واستضر بذلك هو نفسه دون ربه.
قوله تعالى: (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن - إلى قوله - رسالته) قولهم:
(لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله) يريدون به أن يؤتوا نفس الرسالة بما لها من مواد الدعوة الدينية دون مجرد المعارف الدينية من أصول وفروع وإلا كان اللفظ المناسب له أن يقال: (مثل ما أوتى أنبياء الله) أو ما يشاكل ذلك كقولهم: (لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) (البقرة: 118) وقولهم: (لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) (الفرقان: 21).
فمرادهم أنا لن نؤمن حتى نؤتى الرسالة كما أوتيها الرسل، وفيه شئ من الاستهزاء فإنهم ما كانوا قائلين بالرسالة فهو بوجه نظير قولهم: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (الزخرف: 31) كما أن جوابه نظير جوابه وهو قوله تعالى: (أهم يقسمون رحمة ربك) (الزخرف: 32) كقوله: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
ومما تقدم يظهر أن الضمير في قوله: (وإذا جاءتهم آية قالوا) الخ، عائد إلى (أكابر مجرميها) في الآية السابقة، إذ لو رجع إلى عامة المشركين لغى قولهم: (حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله) إذ لا معنى لرسالة جميع الناس حيث لا أحد يرسلون إليه، ولم يقع قوله: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) موقعه بل كان حق الجواب أنه لغو من القول كما عرفت.
ويؤيده الوعيد الذي في ذيل الآية: (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) حيث وصفهم بالاجرام وعلل الوعيد بمكرهم، ولم ينسب المكر في الآية السابقة إلا إلى أكابر مجرميها، والصغار الهوان والذلة.
قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام) الشرح هو البسط وقد ذكر الراغب في مفرداته أن أصله بسط اللحم ونحوه، وشرح الصدر الذي يعد في الكلام وعاء للعلم والعرفان هو التوسعة فيه بحيث يسع ما يصادفه من المعارف الحقة ولا يدفع كلمة الحق إذا ألقيت إليه كما يدل عليه ما ذكر في وصف الاضلال بالمقابلة وهو