على أن وقار النبوة وعظيم الخلق الذي كان في عشرته صلى الله عليه وآله وسلم كان يمنعه من التفوه بالشتم الذي هو من لغو القول، والذي ورد من لعنه بعض صناديد قريش بقوله: اللهم العن فلانا وفلانا، وكذا ما ورد في كلامه تعالى من قبيل قوله: (لعنهم الله بكفرهم) (النساء:
46) وقوله: (فقتل كيف قدر) (المدثر: 19) وقوله: (قتل الانسان) (عبس:
17) وقوله: (أف لكم ولما تعبدون من دون الله) (الأنبياء: 67) ونظائر ذلك فإنما هي من الدعاء دون الشتم الذي هو الذكر بالقبيح الشنيع للإهانة تخييلا، والذي ورد من قبيل قوله تعالى: (مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم) (القلم: 13) فإنما هو من قبيل بيان الحقيقة. فالظاهر أن العامة من المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ربما أداهم المشاجرة والجدال مع المشركين إلى ذكر آلهتهم بالسوء كما يقع كثيرا بين عامة الناس في مجادلاتهم فنهاهم الله عن ذلك كما يشير إليه الحديث الآتي.
وفي تفسير القمي قال: حدثني أبي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء) فقال: كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله فكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتهم لكيلا يسب الكفار إله المؤمنين فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لا يعلمون فقال: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم.
وفي تفسير العياشي عن عمرو الطيالسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله: (ولا تسبوا الآية. قال فقال يا عمرو هل رأيت أحدا يسب الله؟ قال:
فقلت: جعلني الله فداك فكيف؟ قال من سب ولى الله فقد سب الله. وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال:
كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشا فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر، وأن عيسى كان يحيى الموتى وأن ثمود كان لهم ناقة، فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي شئ تحبون أن آتيكم به؟ قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبا قال: فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو فجاء جبرئيل فقال له: إن شئت أصبح ذهبا فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم، وإن شئت