(انتهى) وهو بعيد من سياق الصدر.
قوله تعالى: (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) إلى آخر الآية، كأن المراد بالآية أنا أحيينا جمعا وجعلنا لهم نورا يمشون به في الناس، وآخرين لم نحيهم فمكثوا في الظلمات فهم غير خارجين منها ولا أن عمالهم المزينة تنفعهم وتخلصهم منها كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها بالدعوة الدينية والنبي والمؤمنين لكنه لا ينفعهم فإنهم في ظلمات لا يبصرون بل إنما يمكرون بأنفسهم ولا يشعرون.
وعلى هذا فقوله: (كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) مسوق لبيان أن أعمالهم المزينة لهم لا تنفعهم في استخلاصهم من الظلمات التي هم فيها، وقوله: (وكذلك جعلنا في كل قرية) الخ، مسوق لبيان أن أعمالهم ومكرهم لا يضر غيرهم إنما وقع مكرهم على أنفسهم وما يشعرون لمكان ما غمرهم من الظلمة.
وقيل: معنى التشبيه في الآية أن مثل ذلك الذي قصصنا عليك زين للكافرين عملهم، ومثل ذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها، وجعلنا ذا المكر من المجرمين كما جعلنا ذا النور من المؤمنين فكل ما فعلنا بهؤلاء فعلنا بهم إلا أن أولئك اهتدوا بحسن اختيارهم وهؤلاء ضلوا بسوء اختيارهم لان في كل واحد منهما الجعل بمعنى الصيرورة إلا أن الأول باللطف والثاني بالتمكين من المكر (انتهى). ولا يخلو من بعد من السياق.
والجعل في قوله: (جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) كالجعل في قوله: (وجعلنا له نورا) فالأنسب أنه بمعنى الخلق، والمعنى: خلقنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وكون مكرهم غاية للخلقة وغرضا للجعل نظير كون دخول النار غرضا إلهيا في قوله: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) (الأعراف: 179) وقد مر الكلام في معنى ذلك في مواضع من هذا الكتاب. وإنما خص بالذكر أكابر مجرميها لان المطلوب بيان رجوع المكر إلى ما كره، والمكر بالله وآياته إنما، يصدر منهم وأما أصاغر المجرمين وهم العامة من الناس فإنما هم أتباع وأذناب.
وأما قوله: (وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) فذلك أن المكر هو العمل الذي يستبطن شرا وضرا يعود إلى الممكور به فيفسد به غرضه المطلوب ويضل به سعيه ويبطل نجاح عمله، ولا غرض لله سبحانه في دعوته الدينية، ولا نفع فيها إلا ما