لا دليلا على ربوبية شركائكم وحجة توجب عبادتها.
والدليل على أن ذلك من ربى أنه وسع كل شئ علما فهو يعلم كل ما يحدث ويجرى من خير وشر في مملكته التي أوجدها لغايات صحيحة متقنة، وكيف يمكن ان يعلم في ملكه بشئ ينفع أو يضر فيسكت ولا يستقبله بأحد أمرين: إما المنع أو الاذن؟.
فلو حصل في نفسي شئ من الخوف لكان بمشية من الله وإذن على ما يليق بساحة قدسه، وكان ذلك من التدبير الدال على ربوبيته ونفى ربوبية غيره أفلا تتذكرون وترجعون إلى ما تدركونه بعقولكم وتهدى إليه فطرتكم.
فهذا وجه في تقرير الحجة المودعة في قوله: (ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربى وسع ربى كل شئ علما أفلا تتذكرون) وعلى ذلك فقوله: (ولا أخاف ما تشركون به) كالمتمم للحجة في قوله: (أتحاجوني في الله وقد هدان) وهو مع ذلك حجة تامة في نفسه لابطال ربوبية شركائهم بعدم الخوف منها، وقوله: (إلا أن يشاء ربى شيئا) كالكلام في الحجة على تقدير التسليم أي تحتجون على وجوب عبادتها بالخوف ولا خوف في نفسي، ولو فرض خوف لكان دليلا على ربوبية ربى لا على ربوبية شركائكم فإنه عن مشية من ربى، قوله: (وسع ربى كل شئ علما) وتعليل لكون الخوف المفروض مستندا إلى مشية ربه فإن فاطر السماوات والأرض لا يجهل ما يقع في ملكه فلا يقع إلا بإذن منه فهو الذي يدبر امره ويقوم بربوبيته، وقوله: (إفلا تتذكرون) استفهام توبيخي وإشارة إلى أن الحجة فطرية، هذا.
وللمفسرين في الآية أقوال:
أما قوله تعالى: (قال أتحاجوني في الله وقد هدان) فقد أورد أكثرهم فيه الوجه الأول من الوجهين اللذين قدمناهما، ومحصله أنه يرد اعتراضهم على توحيده بأنه غنى عن المحاجة في ذلك فإن الله هداه ولا حاجة معها إلى المحاجة لكن ظاهر السياق أنه في مقام المحاجة ولازمه ان كلامه احتجاج للتوحيد الاستغناء عن الاحتجاج.
وأما قوله تعالى: (لا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربى شيئا) فقد ذكروا في الصدر قريبا مما قدمناه، وأما الاستثناء فقيل: معناه إلا ان يغلب ربى هذه الأصنام التي تخوفونني بها فيحييها ويقدرها فتضر وتنفع فيكون ضررها ونفعها إذ ذاك دليلا