تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ١٩٣
منها، وأشد الامرين تأثيرا في نفوسهم هو الامر الأول أعني الخوف وذلك أن الناس بحسب الطباع يرون ما بأيديهم من النعمة والسعادة المادية ملك أنفسهم إما مرهون جهدهم في سلوك سبيل المعاش في اقتناء الأموال واكتساب المقام والجاه أو مما ملكهم إياه الجد الرفيع أو البخت السعيد كمن ورث مالا من مورثه أو صادف كنزا فتملكه أو ساد قومه برئاسة أبيه.
فطريق الرجاء قليل التأثير في وجوب العبودية حتى أن المسلمين مع ما بأيديهم من التعليم الكامل الإلهي يتأثرون من الوعد والبشارة أقل مما يتأثرون من الوعيد والانذار، ولذلك بعينه نرى أن القرآن يذكر الانذار من وظائف الأنبياء أكثر من ذكر التبشير، وكلا الامرين من وظائفهم والطرق التي يستعملونها في الدعوة الدينية.
وبالجملة اختار قوم إبراهيم عليه السلام في محاجتهم إياه عند ما كلموه في أمر الالهة سبيل الخوف فأرهبوه من قهر الالهة وسخطها ووعظوه بسلوك سبيلهم ولزوم طريقهم في التقرب بالآلهة ورفض القول بربوبية الله سبحانه، وإثباته في المقام الذي أثبتوه فيه وهو أنه الذي ينتهى إليه الكل فحسب.
ولما وجد عليه السلام كلامهم ينحل إلى جزأين: الردع عن القول بربوبية الله سبحانه والتحريض على القول بربوبية آلهتهم احتج عليهم من الجهتين جميعا لكن لا غنى للجهة الأولى عن الثانية كما سيجئ.
وما أورده في الاحتجاج على حجاجهم في الله سبحانه هو قوله: (أتحاجوني في الله وقد هدان) أي إني واقع في أمر مفروغ عنه ومهتد بهداية ربى حيث آتاني العلم بما أراني من ملكوت السماوات والأرض وألهمني بذلك حجة أنفى بها ربوبية غيره من الأصنام والكواكب، وأنى لا أستغني عن رب يدبر أمري فأنتج لي أنه هو الرب وحده لا شريك له، وإذ هداني إليه فأنا في غنى عن الاصغاء إلى حجتكم والبحث عن الربوبية ثانيا فإن البحث إنما ينفع الطالب ولا طلب بعد الوصول إلى الغاية.
هذا ما يعطيه ظاهر الآية بالتبادر إلى الذهن لكن هناك معنى أدق من ذلك يظهر بالتدبر وهو أن قوله: (وقد هدان) استدلال بنفس الهداية لا استغناء بالهداية عن
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346