به وتبرأ من ربوبيتها، ثم رأى القمر بازغا وهناك قوم يعبدونه فجاراهم في ربوبيته بقوله:
(هذا ربى) وأخذ يراقب ما يحدث به حتى أفل، وكانت الليلة من الليالي الطوال في النصف الثاني من الشهر القمري ولعل القمر كان يسير في قوس قصير من أقواس المدارات الجنوبية فلما أفل تبرأ من ربوبيته، وأخذ يستهدي ربه ويستعيذ به من الضلال حتى طلعت الشمس فرآها بازغة وأكبر بالنسبة إلى ما تقدمها من الكوكب والقمر فعاد كذلك إلى مجاراتهم في ربوبيتها مع ما لاح له من بطلان ربوبية الكوكب والقمر وهما مثلها في كونها جرما سماويا نيرا لكنه اتخذ كونها أكبر منها عذرا يعتذر به فيما يفترضه أو يسلمه من ربوبيتها فقال: (هذا ربى هذا أكبر) وأخذ ينتظر مستقبل الامر حتى أفلت فتبرأ من ربوبيتها وشرك قومه فقال: (يا قوم إني برئ مما تشركون) ثم أثبت الربوبية لله سبحانه كما كان يثبت الألوهية بمعنى إيجاد السماوات والأرض وفطرها له تعالى فقال:
(إني وجهت وجهي - وهو العبودية قبال الربوبية - للذي فطر السماوات والأرض حنيفا - غير منحرف من حاق الوسط إلى يمين أو يسار - وما أنا من المشركين - بإشراك شئ من خلقه ومفطوراته له تعالى في العبادة والاسلام -).
وقد تقدم أن قوله تعالى في ضمن الآيات محفوفا بها: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) يدل على أنه عليه السلام إنما كان يأخذ ما يلقيه من الحجة على أبيه وقومه مما كان يشاهده من ملكوت السماوات والأرض، وقد أفاض الله سبحانه اليقين الذي ذكره غاية لاراءته الملكوت على قلبه بهذه المشاهدة والرؤية.
وهذا أوضح شاهد على أن الذي ذكره عليه السلام من الحجة كانت حجة برهانية ترتضع من ثدي اليقين، وقد أورد في ذلك قوله: (لا أحب الآفلين) وتقدمت الإشارة إلى تقريره.
فتبين من جميع ما تقدم:
أولا: أن قوله عليه السلام: (لا أحب الآفلين) حجة برهانية يقينية بنى الكلام فيه على عدم حبه للآفلين، ومنافاة الأفول للربوبية، ويظهر من كلام بعضهم أنه يأخذه حجة عامية غير برهانية إذ يقول: والصواب أن الكلام كان تعريضا خفيا لا برهانا نظريا جليا يعرض فيه بجهل قومه في عبادة الكواكب أنهم يعبدون ما يتحجب عنهم، ولا