الفطرة، وفطر الله الخلق وهو إيجاده الشئ وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الافعال فقوله: فطرة الله التي فطر الناس عليها إشارة منه تعالى إلى ما فطر أي أبدع وركز في الناس من معرفته تعالى، وفطرة الله هي ما ركز فيه من قوته على معرفة الايمان وهو المشار إليه بقوله: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله، انتهى. وذكر أيضا: أن الحنف هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة والجنف ميل عن الاستقامة إلى الضلال قال: وسمت العرب كل من حج أو اختتن حنيفا تنبيها على أنه على دين إبراهيم عليه السلام والاحنف من في رجله ميل، قيل: سمى بذلك على التفاؤل وقيل: بل استعير للميل المجرد، انتهى.
لما تبرأ عليه السلام من شركهم وشركائهم بقوله: (يا قوم إني برئ) الخ، وقد سلك إليه تدريجا بإظهار عدم تعلق قلبه بالشريك حيث قال: (لا أحب الآفلين) ثم الايماء إلى كون عبادة الشريك ضلالا حيث قال: (لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم الضالين) ثم التبري الصريح من ذلك بقوله: (يا قوم إني برئ مما تشركون) رجع إلى توحيده التام في الربوبية، وهو إثبات الربوبية والمعبودية للذي فطر السماوات والأرض، ونفى الشرك عن نفسه فقال: (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا).
فتوجيه الوجه كناية عن الاقبال إلى الله سبحانه بالعبادة فإن لازم العبودية والمربوبية أن يتعلق العبد المربوب بربه في قوته وإرادته، ويدعوه ويرجع إليه في جمع أعماله، ولا يكون دعاء ولا رجوع إلا بتوجيه الوجه والاقبال إليه فكنى بتوجيه الوجه عن العبادة التي هي دعاء ورجوع وذكر ربه وهو الله سبحانه الذي وجه وجهه إليه، بنعته الذي يخصه بلا نزاع فيه وهو فطر السماوات والأرض، وجاء بالموصول والصلة ليدل على العهد فلا يشتبه الامر على أحد منهم فقال: للذي فطر السماوات والأرض أي إني أقبلت بعبادتي على من ينتهى إليه إيجاد كل شئ وإبداعه، وهو الذي يثبته ويثبتونه فوق الجميع.
ثم نفى غيره مما يدعونه شريكا بقوله: (حنيفا) أي مائلا إليه عن غيره نافيا للشريك عنه، وأكده بقوله: (وما أنا من المشركين) فأفاد مجموع قوله: (وإني وجهت) الخ، إثبات المعبودية لله تعالى ونفى الشريك عنه قريبا مما تفيده الكلمة الطيبة: لا إله الا الله.