تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ١٩٨
يفسر القرآن بالقرآن، وكيف لا؟ والطمع في إرتفاع الأسباب عن العالم المشهود طمع فيما لا مطمع فيه، والقرآن الكريم من أوله إلى آخره يتكلم عن السببية ويبنى على أصل العلية والمعلولية العام، وقد تقدم الكلام في هذه المعاني كرارا في الاجزاء السابقة من الكتاب.
قوله تعالى: (و كيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا) الخ، ثم كر عليه السلام عليهم بحجه أخرى تثبت المناقضة بين قولهم وفعلهم و بعبارة أخرى: حالهم يكذب مقالهم ومحصله أنكم تأمرونني أن أخاف ما لا يجب أن يخاف منه، وأنتم أنفسكم لا تخافون من يجب ان يخاف منه فأنا أولى بالأمن منكم إن عصيتكم ولم أئتمر بأمركم.
أما كون ما تأمرونني بخوفه لا يجب أن يخاف منه فلان الأصنام و 3 أربابها لا دليل على كونها مستقلة بالضر والنفع حتى توجب الخوف منها، وأما كونكم لا تخافون من يجب أن يخاف منه فإنكم أنفسكم أثبتم لله سبحانه شركاء في الربوبية ولم ينزل الله في ذلك عليكم برهانا يمكن أن يعتمد عليه فان الصنع والايجاد لله سبحانه فله الملك وله الحكم فلو كان اتخذ بعض مخلوقاته شريكا لنفسه يوجب لنا بذلك عبادة شريكه كان إليه لا إلى غيره أن يبين لنا ذلك ويكشف عن وجه الحقيقة فيه، والطريق فيه أن يقارنه بعلائم وآيات تدل على أن له شركة في كذا وكذا، وذلك إما وحى أو برهان يتكئ على آثار خارجية، وشئ من ذلك غير موجود.
وعلى هذا التقرير فقوله تعالى: (ما أشركتم) مقيد بحسب ما يستفاد من المقام بما قيد به قوله: (أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا) وإنما ذكر هذا القيد عند ذكر عدم خوفهم من شركهم لان الحجة إلى ذكره هناك أحوج وهو ظاهر. وقوله: (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون) من تتمة الحجة، والمجموع برهان على مناقضتهم أنفسهم في دعوته عليه السلام إلى أن يخاف آلهتهم فإنهم يأمرونه بالخوف فيما لا يجب وهم أنفسهم لا يخافون فيما يجب.
وبالبيان السابق يظهر ان وصف شركائهم بأن الله لم ينزل بها عليهم سلطانا افتراض استدعاه نوع الحجة التي وضعت في الكلام لا مفهوم له يثبت إمكان ان يأمر الله باتخاذ الشركاء آلهة يعبدون فهو بمنزلة قولنا: لا دليل لكم على ما ادعيتم، في جواب من يخوفنا
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346