أحيى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر) (البقرة: 258) ويتضمن ذكر الشمس وتأنيث الضمير العائد إليها.
ومن عجيب ما أورد على هذا الوجه ما ذكره بعض المفسرين وأصر عليه: أن إبراهيم عليه السلام وكذا إسماعيل وهاجر كانوا يتكلمون باللغة العربية القديمة، وأنها كانت لغة قومه، قال ما ملخصه: أنه ثبت عند علماء الآثار القديمة، أن عرب الجزيرة قد استعمروا منذ فجر التاريخ بلاد الكلدان ومصر وغلبت لغتهم فيهما، وصرح بعضهم بأن الملك حمورابي الذي كان معاصرا لإبراهيم عليه السلام عربي وحمورابي هذا ملك البر والسلام ووصف في العهد العتيق بأنه كاهن الله العلى، وذكر فيه أنه بارك إبراهيم وأن إبراهيم أعطاه العشرة من كل شئ، قال: ومن المعروف في كتب الحديث والتاريخ العربي أن إبراهيم أسكن إسماعيل ابنه عليهما السلام مع أمه هاجر المصرية في الواد الذي بنيت فيه مكة بعد ذلك، وأن الله سخر لهما جماعة من جرهم سكنوا معهما هنالك، وأن إبراهيم عليه السلام كان يزورهما، وأنه هو وولده إسماعيل بنيا بيت الله الحرام ونشرا دين الاسلام في البلاد العربية، وفي الحديث: أن إبراهيم عليه السلام جاء مكة ليزور ابنه وقد خرج إلى الصيد فكلم زوجته وكانت جرهمية فلم يرتض أمرها ثم جاءها بعد مدة ليزوره فلم يجده فكلم زوجته الأخرى فدعته إلى النزول وغسل رأسه فارتضى أمرها ودعا لها، وكل ذلك يدل على أنه كان يتكلم بالعربية، هذا ملخص ما ذكره.
وفيه: أن مجاورة عرب الجزيرة مصر وكلدان واختلاطهم بهم أو استعمارهم واستيلاؤهم عليهم لا يوجب تبدل لغاتهم إلى العربية، وقد كانت لغة مصر قبطية ولغة كلدان والأشوريين سريانية، نعم ربما أوجب ذلك دخول أسماء وألفاظ من لغة بعضهم في لغة بعض كما بوجد في القرآن الكريم أمثال القسطاس والاستبرق وغيرهما وهى من الدخيل.
وأما ما ذكره من أمر حمورابي ومعاصرته لإبراهيم عليه السلام فلا يطابق ما هو الصحيح من تاريخه ويؤيده الآثار المكشوفة من خرائب بابل والنصب المستخرجة التي كتبت فيها شريعته التي وضعها وأجراها في مملكته وهى أقدم القوانين المدونة في العالم على ما بلغنا، وقد ذكر بعضهم أن أيام ملكه كانت بين (1728) ق م و (1686) ق