مورده وكل مورد يشابهه.
وفي الكلام إشارة أولا إلى أنه كان هناك قوم قائلون بربوبية القمر كالكوكب كما أن قوله في الآية التالية بعد ذكر أمر الشمس: (يا قوم إني برئ مما تشركون) لا يخلو عن الدلالة على مثله.
وثانيا: أنه عليه السلام كان وقتئذ في مسير الطلب راجيا للهداية الإلهية مترقبا لما يفيض ربه عليه من النظر الصحيح والرأي اليقيني سواء كان ذلك بحسب الحقيقة كما لو حملنا الكلام على الافتراض لتحصيل الاعتقاد، أو بحسب الظاهر كما لو حملناه على الوضع والتسليم لبيان الفساد، وقد تقدم الوجهان آنفا.
وثالثا: أنه عليه السلام كان على يقين بأن له ربا إليه تدبير هدايته وسائر أموره، وإنما كان يبحث واقعا أو ظاهرا ليعرفه: أهو الذي فطر السماوات والأرض بعينه أو بعض من خلقه، وإذ بان له ان الكوكب والقمر لا يصلحان الربوبية لا فولها توقع أن يهديه ربه إلى نفسه ويخلصه من ضلال الضالين.
قوله تعالى: (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر) الكلام في دلالة اللفظ على الاتصال بما قبله لمكان قوله: (فلما) وكون قوله: (هذا ربى) مسوقا للافتراض أو التسليم كما تقدم في الآية السابقة.
وقد كان تكرر قوله: (هذا ربى) في القمر لما رآه بازغا بعد ما رأى الكوكب، ولذلك ضم قوله: (هذا أكبر) إلى قوله (هذا ربى) في الشمس في المرة الثالثة ليكون بمنزلة الاعتذار للعود إلى فرض الربوبية لها مع تبين خطأ افتراضه مرة بعد مرة.
وقد تقدمت الإشارة إلى أن إشارته إلى الشمس بلفظة (هذا) تشعر بأنه عليه السلام ما كان يعرف من الشمس ما يعرفه أحدنا أنه جرم سماوي يطلع ويغرب بحسب ظاهر الحس في كل يوم وليلة، وإليها تستند النهار والليل والفصول الأربعة السنوية إلى غير ذلك من نعوتها.
فإن الاتيان في الإشارة بلفظ المذكر هو الذي يستريح إليه من لا يميز المشار إليه في نوعه كما تقول فيمن لاح لك شبحه وأنت لا تدرى أرجل أم امرأة: من هذا؟ ونظيره ما يقال في شبح لا يدرى أمن أولى العقل هو أولا: ما هذا؟ فلعله إنما كان ذلك من إبراهيم عليه السلام أول ما خرج من مختفى أخفى فيه إلى أبيه، وقومه ولم يكن عهد مشاهد الدنيا