الخارجة والمجتمع البشرى فرأى جرما هو كوكب وجرما هو القمر وجرما هو الشمس، وكلما شاهد واحدا منها - ولم يكن يشاهد إلا جرما مضيئا لامعا - قال: هذا ربى، على سبيل عدم المعرفة بحاله معرفة تامة كما سمعت.
ويؤيده بعض التأييد قوله: (فلما أفل قال لا أحب الآفلين) فإن فيه إشعارا بأنه عليه السلام مكث بانيا على كون الكوكب ربا حتى شاهد غروبه فحكم بأن الفرض باطل وأنه ليس برب، ولو كان عالما بأنه سيغرب أبطل ربوبيته مقارنا لفرض ربوبيته كما فعل ذلك في أمر الأصنام على ما يدل عليه قوله لأبيه: (أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين) وقوله أيضا: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا).
وإن أمكن أن يقال: إنه أراد بتأخير قوله: (لا أحب الآفلين) إلى أن يافل أن يحاجهم بما وقع عليه الحس كما أراد بما فعل بالأصنام حيث جعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم أن يريهم عجز الأصنام وكونها أجسادا ميتة لا تدفع عن أنفسها الضر والشر.
وللمفسرين في تذكير الإشارة في قوله: (هذا ربى هذا أكبر) مسالك من التوجيه مختلفة:
فمنهم من قال: تذكير الإشارة إنما هو بتأويل المشار إليه أو الجرم النير السماوي أي هذا المشار إليه أو هذا الجرم النير ربى وهو أكبر.
وفيه أنه لا ريب في صحة الاستعمال بهذا التأويل لكن الشأن في النكتة التي تصحح هذا التأويل، ولا يجوز ذلك من غير نكتة مسوغة، ولو جاز ذلك في اللغة من غير اعتماد على نكته لجاز تذكير كل مؤنث قياسي وسماعي في إرجاع الضمير والإشارة إليه بتأويل الشخص ونحوه وفي ذلك نسخ اللغة قطعا.
ومنهم من قال: إنه من قبيل اتباع المبتدء للخبر في تذكيره فإن الرب وأكبر مذكران فاتبع اسم الإشارة للخبر المذكر كما عكس في قوله تعالى: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) الآية فاتبع المذكر للمؤنث.
وفيه أنهم كانوا يرون من الالهة إناثا كما يثبتون ذكورا ويسمون الأنثى من الالهة إلهة وربة وبنت الله وزوجة الرب فكان من الواجب أن يطلق على الشمس ربة لمكان التأنيث، وأن يقال: هذه ربتي أو إلهتي، فالكلام في تذكير الخبر في قوله: (هذا ربى) كالكلام في تذكير المبتدء ولا معنى حينئذ لحديث الاتباع.