الذي يعبده الانسان يجب أن يحبه فيجب أن لا يكون من شأنه أن يأفل عنه ويفقد فهذه الاجرام الآفلة لا تستحق اسم الربوبية، وهذه - كما ترى - حجة يعرفها العامة والخاصة.
وقد خلط ثالثا بين البزوغ والظهور فحكم أنه غير مناف للربوبية بل القول مبنى عليه فأن من صفات الرب أن يكون ظاهرا إلى آخر ما قال فإن الذي ذكر في الآية - ولم يبن الحجة عليه - هو البزوغ وهو الطلوع والظهور بعد خفاء المنافى للربوبية فيبقى السؤال: لم بنى الكلام على الأفول دون البزوغ؟ على حاله.
وثانيا أن أخذ الأفول في الحجة دون البزوغ إنما هو لان البزوغ لا يستوجب عدم الحب الذي بنى الحجة عليه بخلاف الأفول، وبذلك يظهر ما في قول الكشاف في وجه العدول، قال: (فإن قلت: لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال من حال إلى حال؟ قلت: الاحتجاج بالأفول أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب) انتهى. فإن الاحتجاج كما عرفت إنما هو بعدم تعلق الحب لا بالأفول حتى يوجه العدول إليه من البزوغ بما ذكره.
وثالثا: أن الاحتجاج إنما أريد به نفى ربوبية الاجرام الثلاثة بمعنى تدبيرها للعالم الأرضي أو العالم الانساني لا الربوبية بمعنى المقام الذي ينتهى إليه الايجاد والتدبير فإن الوثنية وعبدة الكواكب لا ينكرون أن آلهتهم ليست أربابا بهذا المعنى، وأنه الله الواحد لا شريك له.
ومن هنا يظهر ما في قول بعضهم: إن الأفول إنما أخذ مبدأ للبرهان لأنه يستلزم الامكان، وكل ممكن محتاج يجب أن يقف سلسلة حاجته عند موجود واجب الوجود، وكذا ما في قول آخرين: إن الأفول إنما ينفى الربوبية عن المتصف به لأنه حركة، ولا بد لكل حركة من محرك، وينتهى لا محالة إلى محرك غير متحرك وثابت غير متغير بذاته وهو الله عز اسمه.
وذلك أنهما وإن كانا حجتين برهانيتين غير أنهما تنفيان عن الممكنات وعن المتحركات الربوبية بمعنى العلية الأولى التي ينتهى إليها جميع العلل، وسببية الايجاد والتدبير التي يقف عندها جميع الأسباب، وعبدة الكواكب من الصابئين وغيرهم وإن