بإذن من الانسان الذي يبصر بها وكذا السمع يسمع بإذن منه، ولولا الانسان لم يكن بصر ولا إبصار ولا سمع ولا استماع كما أن الفرد من المجتمع إنما يتصرف فيما يتصرف فيه بإذن من الملك أو ولى الامر، ولو لم تكن هذه القوة المدبرة التي تتوحد عندها أزمة المجتمع لم يكن اجتماع، ولو منع عن تصرف من التصرفات الفردية لم يكن له أن يتصرف ولا نفذ منه ذلك، ولا شك أن هذا المعنى بعينه موجود لله سبحانه الذي إليه تكوين الأعيان وتدبير النظام فلا غنى لمخلوق عن الخالق عز اسمه لا في نفسه ولا في توابع نفسه من قوى وأفعال، ولا استقلال له لا منفردا ولا في حال اجتماعه مع سائر أجزاء الكون وارتباط قوى العالم وامتزاج بعضها ببعض امتزاجا يكون هذا النظام العام المشاهد.
قال تعالى: (قل اللهم مالك الملك) (آل عمران: 26) وقال تعالى (لله ملك السماوات والأرض) (المائدة: 120) وقال تعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير، الذي خلق الموت والحياة - إلى أن قال - الذي خلق سبع سماوات طباقا) (الملك: 3) والآيات - كما ترى - تعلل الملك بالخلق فكون وجود الأشياء منه وانتساب الأشياء بوجودها وواقعيتها إليه تعالى هو الملاك في تحقق ملكه وهو بمعنى ملكه الذي لا يشاركه فيه غيره ولا يزول عنه إلى غيره ولا يقبل نقلا ولا تفويضا يغنى عنه تعالى وينصب غيره مقامه.
وهذا هو الذي يفسر به معنى الملكوت في قوله: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ) (يس: 83) فالآية الثانية) تبين أن ملكوت كل شئ هو كلمة كن الذي يقوله الحق سبحانه له، وقوله فعله، وهو إيجاده له.
فقد تبين أن الملكوت هو وجود الأشياء من جهة انتسابها إلى الله سبحانه وقيامها به، وهذا أمر لا يقبل الشركة ويختص به سبحانه وحده، فالربوبية التي هي الملك والتدبير لا تقبل تفويضا ولا تمليكا انتقاليا.
ولذلك كان النظر في ملكوت الأشياء يهدى الانسان إلى التوحيد هداية قطعية كما قال تعالى: (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) (الأعراف: 185)