تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ١٨٥
يدرى شيئا من أمر عبادتهم، وهذا هو السبب في جعله الأفول منافيا للربوبية دون البزوغ والظهور بل بنى عليه القول بها فإن من صفات الرب أن يكون ظاهرا وإن لم يكن ظهوره كظهور غيره من خلقه، هذا.
وقد خفى عليه أولا: أن وضع قوله: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) بين الآيات المتضمنة لحججه عليه السلام أدل دليل على كون حججه مأخوذه من مشهوداته الملكوتية التي هي ملاك يقينه بالله وآياته وكيف يتصور مع ذلك كونها حجة عامية غير برهانية.
وخفى عليه ثانيا أن الحجة بنيت على الحب وعدمه لا على الأفول مضافا إلى أن البناء على الأفول أيضا لا يخرجها عن كونها برهانية فهو عليه السلام إنما ذكر سبب براءته من ربوبيتها أنه وجدها آفلة غاربه وهو لا يحب الآفلين فلا يعبدها، ومن المعلوم أن عبادة الانسان لربه إنما هي لأنه رب أي لأنه يدبر أمر الانسان فيفيض عليه الحياة والرزق والصحة والخصب والامن والقدرة والعلم إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في بقائه فهو متعلق الوجود بربه من كل جهة، ومن فطريات الانسان أن يحب ما يسعده مما يحتاج إليه وأن يحب من يسعده بذلك لا يرتاب فيه ذو ريب البتة فإنما يعبد الرب لان الانسان يحبه لجلبه المنافع إليه أو لدفعه المضار عنه أو لهما جميعا.
ومن فطريات الانسان أيضا أنه لا تتعلق نفسه بما لا بقاء له إلا أن يحول حرص أو شبق أو نحوهما نظره إلى جهة اللذة ويصرفه عن التأمل والامعان في جهة فنائه وزواله، وقد استعمل القرآن الكريم هذه الطريقة كثيرا في ذم الدنيا، وردع الناس عن التعلق المفرط بزينتها والانهماك في شهواتها كقوله: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس) (يونس: 24) وقوله ما: (عندكم ينفد وما عند الله باق) (النحل:
96) وقوله: (وما عند الله خير وأبقى) (الشورى: 36).
فهو عليه السلام يفيد بقوله: (لا أحب الآفلين) أن الذي من شأنه أن يفقده الانسان ويغيب عنه ولا يبقى ولا يثبت له لا يستحق أن يحبه الانسان وتتعلق به نفسه، والرب
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346