ذهبوا إلى أن كل جرم سماوي قديم زماني غير قابل للكون والفساد متحرك بحركة دائمة غير أنهم لا ينكرون أن جميعها معلوله لامكانها غير مستغنية لا في وجودها ولا في آثار وجودها عن الواجب عز اسمه.
فالحجتان نما هما قائمتان على منكري وجود الصانع من الطبيعيين لا الصابئين وعبدة أرباب الأنواع وغيرهم من الوثنيين، وإبراهيم عليه السلام انما كان يحاج هؤلاء دون أولئك.
على أنك عرفت ان الحجة لم تركب من جهة الأفول بل من جهة عدم تعلق الحب بشئ من شأنه الأفول والغروب.
وأما من دفع ما ذكروه من تقرير الحجة من جهة الامكان أو الحركة بأن تفسير الأفول بذلك تفسير للشئ بما يبانه فإن العرب لا يعرفون الأفول بمعنى لامكان أو الحدوث وكذلك تفسير الأفول بالتغير والحركة غلط كسابقه.
فقد خفى عليه أن هؤلاء لا يقولون: إن الأفول في الآية بمعنى الامكان أو بمعنى الحركة، وانما يقولون: إن الأفول انما احتج به لاستلزامه الامكان أو الحركة والتغير، وأما الأفول بمعنى الغيبة بعد الحضور والخفاء بعد الظهور مع قطع النظر عن استلزامه الامكان أو التغير غير اللائقين بساحة الواجب جل ثناؤه فليس ينافي الربوبية كما اعترف به هذا المورد نفسه.
وذلك أن الواجب تعالى أيضا غائب عن مشاعرنا من غير أن يتحول عليه الحال ويطرأ عليه التغير بالغيبة بعد الحضور والخفاء بعد الظهور، ولا ينفع القول بأن الغيبة والخفاء فيه تعالى من جهتنا لا من جهته ولاشتغالنا بما يصرفنا عنه لا لمحدودية وجوده وقصور استيلائه فإن غيبة هذه الاجرام السماوية وخاصة الشمس بالحركة اليومية أيضا من قبلنا حيث إنا أجزاء من الأرض التي تتحرك بحركتها اليومية فتحولنا بها من مسامته هذه الاجرام ومواجهتها إلى خلاف ذلك فنغرب عنها في الحقيقة بعد طلوعنا عليها وان كان الخطأ الحسى يخيل لنا غيره.
وقد أراد الرازي أن يجمع بين الوجوه جميعا فقال في تفسيره ما نصه الأفول عبارة عن غيبوبة الشئ بعد ظهوره وإذا عرفت هذا فلسائل أن يسأل فيقول: الأفول انما يدل على الحدوث من حيث إنه حركة، وعلى هذا التقدير فيكون الطلوع أيضا دليلا