الفطري لفقدانه الجمال الباقي الثابت لا يستحق الربوبية، وهذا الوجه هو الظاهر يتكئ عليه سياق الاحتجاج في الآية.
ففي الكلام أولا إشارة إلى التلازم بين الحب والعبودية أو المعبودية.
وثانيا أنه أخذ في إبطال ربوبية الكوكب وصفا مشتركا بينه وبين القمر والشمس ثم ساق الاحتجاج وكرر ما احتج به في الكوكب في القمر والشمس أيضا، وذلك إما لكونه عليه السلام لم يكن مسبوق الذهن من أمر القمر والشمس وأنهما يطلعان ويغربان كالكوكب كما تقدمت الإشارة إليه، وإما لكون القوم المخاطبين في كل من المراحل الثلاث غير الآخرين.
وثالثا أنه اختار للنفي وصف أولى العقل حيث قال: (لا أحب الآفلين) وكأنه للإشارة إلى أن غير أولى الشعور والعقل لا يستحق الربوبية من رأس كما يومى إليه في قوله المحكى: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) (مريم: 42) وقوله الاخر: (إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون، قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين، قال هل يسمعونكم إذ تدعون، أو ينفعونكم أو يضرون، قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) (الشعراء: 74) فسألهم أولا عن معبودهم كأنه لا يعلم من أمرها شيئا فأجابوه بما يشعر بأنها أجساد وهياكل غير عاقلة ولا شاعرة فسألهم ثانيا عن علمها وقدرتها وهو يعبر بلفظ أولى العقل للدلالة على أن المعبود يجب أن يكون على هذه الصفة صفه العقل.
قوله تعالى: (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربى) إلى آخر الآية، البزوغ هو الطلوع تقدم الكلام في دلالة قوله: (فلما رأى) الخ، على اتصال القضية بما قبلها، وقوله:
(هذا ربى) على سبيل الافتراض أو المجاراة والمماشاة والتسليم نظير ما تقدم في الآية السابقة.
وأما قوله بعد أفول القمر: (لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم الضالين) فهو موضوع وضع الكناية فهو عليه السلام أبطل ربوبية الكوكب بما يعم كل غارب ولما غرب القمر ظهر عندئذ رأيه في أمر ربوبيته بما كان قد قاله قبل ذلك في الكوكب: (لا أحب الآفلين) فقوله: (لئن لم يهدني ربى) الخ، إشارة إلى أن الوضع الذي ذكره في القمر بقوله: (هذا ربى) كان ضلالا لو دام وأصر عليه كان أحد أولئك الضالين القائلين بربوبيته والوجه في كونه ضلالا ما قاله في الكوكب حيث عبر بوصف لا يختص به بل يصدق في